بعد طول أخذ وردّ، ومناورات ومشاورات، وإضرابات القطاع العام وتحذيرات القطاع الخاص… عادت السلسلة من حيث أتت.. عادت إلى أدراج اللجان المنسية لتبدّد آمال شريحة كبيرة كانت تصبو إلى بعض الإنصاف الاجتماعي من جهة، و«تؤجل مشكلة» لشريحة أخرى كانت ترى في هذه السلسلة الضربة القاضية لقدرتها على الاستمرار والصمود في استثماراتها في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وغياب السياسات الإصلاحية الجدّية من جهة أخرى.
لقد أثبتت هذه الطبقة السياسية أنها مهما اختلفت على الولاءات والسياسات، يبقى منطق الصفقات هو الأقوى، وبدل أن تستولد الحلول عبر تقسيط السلسلة، أو وضع جدول واضح لتمويلها عبر مراحل تضمن حقوق المواطن المهدورة من دون تحميل الخزينة ما لا طاقة لها به، مع الاكتفاء بصرف غلاء معيشة لموظفي القطاع العام.
أما بدعة تأمين النصاب في مجلس النواب لتشريع «الضرورة» فقد أظهرت أن انتخاب رئيس للجمهورية ليس على رأس سلم الاولويات اللازمة، بل الضرورية.. وأن التمديد للنواب أصحاب الإنجازات اللامعة هو الخطوة الأولى للحفاظ على مؤسسات الدولة.
من أسوأ ما أنتجته هذه الطبقة السياسية هو شعور اللبناني بالغربة في وطنه، حيث كل شيء مباح ومستباح في آن!
فالحدود مشرّعة لكل من تسوّل له نفسه، والمناطق المهمشة باتت «بيئة حاضنة للتطرّف» كما يحلو للبعض تسويقه، في ظل فشل الإقطاع المالي والسياسي في تقديم البدائل، من دون الخوض بالنوايا… والمدينة الصغيرة باتت مثقلة الكاهل بلاجئين، شرعيين أو غير شرعيين، لا فرق بما أن الدولة لم تضع سقفاً واضحاً لأعداد السوريين القادرة على استيعابهم، فاختلط الحابل بالنابل.. فلا القانون يُطبّق ولا الشرطة تتدخل، والشوارع أشبه «بحارة كل مين إيدو إلو» التي كانت تُضحكنا بالماضي.. وباتت تُبكينا اليوم!
لم تبق سوى المؤسسة العسكرية لتجمع اللبنانيين على اختلاف مشاربهم.. فهل يسدّد اللبناني عموماً، والسياسيون خصوصاً، دَينهم لهذه المؤسسة عبر توحيد الجبهة الداخلية ومواجهة الانقسامات والفتن، وتأمين الغطاء الكامل للجيش حتى يحفظ الوطن.. ومن بقي فيه؟!