وجّه إليّ أحد الزملاء الكبار سؤالاً عن رأيي في اعتراض الوزير نهاد المشنوق على وصف حزب الله بـ»الارهابي» في المقررات النهائية للدورة الثالثة والثلاثين لمؤتمر وزراء الداخلية العرب، وما إذا كنّا سنشهد حملة ضدّ المشنوق تتهمه بالخروج عن الإجماع العربي، وأتبع الأستاذ الصديق كلامه بسؤال: ألا يشبه موقف وزير داخلية لبنان نهاد المشنوق في اعتراضه موقف وزير الخارجيّة جبران باسيل؟
للأسف؛ اختصرت وحصرت أمس كلّ المواقع الإخباريّة والإعلاميّة اللبنانية كلام المشنوق بجملتيْن اثنين، الأولى «المشنوق يعترض على وصف حزب الله بالإرهابي»، والجملة الثانية «لن نكون شوكة في خاصرة العرب»، أما ما بين الجملتين، وهو ما أهمله الإعلام اللبنانيّ وكلٌّ لغايته فهو ما يستحقّ أن نتوقّف عنده ومطوّلاً في كلمة الوزير نهاد المشنوق.
بداية؛ علينا أن نضع القارىء في إطار الصورة الحقيقيّة فاعتراض الوزير المشنوق جاء بعد مناقشة هادئة بينه وبين رئيس الدورة وزير داخلية البحرين الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة. وتدخل وزير الداخلية السعودي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، وطلب تسجيل هذا الموقف في محضر الجلسة، وهذا مختلف تماماً عن الخطأ الذي ارتكبه وزير الخارجية جبران باسيل تحت عنوان «النأي بالنّفس»، فوزير داخليّة لبنان كان واضحاً في وضع اعتراضه تحت عنوان «صونا لما تبقى من مؤسسات دستورية في البلد»، وهنا علينا أن نقول: لم يُتَح للبنانيين أن يُلقوا نظرةً أو يسمعوا الكلام الشديد الوضوح الذي قاله وزير داخليتهم في كلمته في مؤتمر وزراء الدّاخلية العرب، وهي لحظة عصيبة لا يُحسد نهاد المشنوق على عيشها!
وهنا نودّ أن نلفتَ القارئ إلى أنّ أحداً لا يستطيع أن يُزايد علينا في موضوع وضع حزب الله على لائحة الإرهاب لدول مجلس التعاون الخليجي، وإلى أنّنا في هذا الهامش تحديداً سبقنا المملكة العربية السعوديّة ودول مجلس التعاون الخليجي وكتبنا في 20 تشرين الثاني من العام 2014 مقالة بعنوان «نعم لوضع حزب الله على لائحة الإرهاب»، فكتبنا: «لطالما راهن حزب الله على هذه المعادلة السؤال: «كيف يمكن وضع حزب انتخبه اللبنانيون للبرلمان على قائمة إرهابية؟» حتى لو ارتكب الحزب جرائم إرهابية كبرى على مستوى العالم منذ ثمانينات القرن الماضي ولم يُحاسب عليها، ربما يكون وقت الحساب قد حان، عن إرهاب سابق وإرهاب لاحق، فأجندة الحزب لا يتم تنفيذها إلا بإرهاب اللبنانيين والمنطقة!!»! وهذه هي الحقيقة التي يدفع لبنان ودولته ومعه دول المنطقة ثمنها باهظاً، والإجابة عن كلّ هذا حملته كلمة الوزير نهاد المشنوق لأنه متصالح مع نفسه وتيّاره وموقعه الوزاري، وبصفته أيضاً «مواطن لبناني عربي»، ثمّة مفاصل في كلمة نهاد المشنوق أظنّ أنّها وضعت النقاط اللبنانية على كلّ حروف المنطقة وما بلغه حالها مع المشروع الإيراني، بل أكثر من ذلك قدّم نهاد المشنوق ـ وبتواضع شديد ـ رؤيته للحلّ الذي يحمي المنطقة من الأطماع الإيرانيّة التي تحدّث عنها في كلمته.
باختصار بليغ وضع وزير داخليّة لبنان يده على الجرح العربي الملتهب في هذه الفترة العصيبة ـ والتي لم يواجه العرب مثلها قبلا ـ فقال: «قرار المواجهة السعودي هو بداية استعادة التوازن، قبل ذلك لم يكن هناك توازن بين الجهد العربي وبين مشروع إيران»!! بالطبع هذه هي الحقيقة المرة التي عاشها لبنان وحده طويلاً وظنّ العرب ودولهم وحكامهم أنهم سيظلّون بمنأى عنها، على الأقل ـ وعلى ما أذكر ـ كتبنا في هذا الهامش وفي أربع مقالات متتالية حملت عنوان «يمن خوش هال» في العام 2009 عن المخطط الإيراني للاستيلاء على اليمن ولاحقاً على المملكة العربيّة السعوديّة، ولكن لم يصغِ أحد، واحدة من أكبر الأخطاء التي ارتكبها أنّهم استهانوا بالمشروع الإيراني، وتخلّوا تباعاً عن عواصم عربيّة تباهت إيران لاحقاً بوضع يدها عليها، ومنها بيروت عاصمتنا، التي اختطفتها إيران منذ وضعت رجلها في لبنان ومكّنت لمشروعها منذ الثمانينات، والعرب يومها «لا حسّ ولا خبر»!!
ببساطة؛ أعاد الوزير نهاد المشنوق الطابة بالأمس وبديبلوماسيّة نادرة إلى ملعب العرب عندما قال في كلمته «إنّ محاسبة لبنان، مهما بلغت مشروعيتها، لا تتم بتجميد اللحظة الراهنة واقتطاعها من شريط الاحداث الممتد منذ العام 1980 حين بدأت تتضح معالم المشروع الإيراني وليس عام 2005 فقط حين اغتيل الشهيد رفيق الحريري وصولا الى اغتيال اللواء وسام الحسن والوزير محمد شطح»، هذا هو واقع الحال اللبناني، لبنان كان متروكاً لنظام الوصاية السوري حليف نظام الخميني في إيران، في لحظة لم يكن العرب يرون فيها سوى الحرب «العراقيّة ـ الإيرانيّة»، أهملوا لبنان، مع أنّ إيران حاربت المملكة العربيّة السعودية في عقر دارها وفي أهم اجتماعٍ إسلامي عالميّ فيها في موسم الحجّ، حتى بلغت الصفاقة حدّ نبش قبور البقيع لسرقة رفات أهل البيت ونقلها إلى إيران!! وبعد انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانيّة، أهمل العرب إيران في لبنان برغم تصريحات كبار مسؤوليها عن أهميّة لبنان، وانصرفوا مشغولين بإخراج صدام حسين من الكويت، إهمال العرب للبنان من حيث قيمته السياسيّة الحقيقيّة لا كبلد للسياحة و»شمّ الهوا»، منذ العام 1980 وضعت إيران يدها على لبنان وعبر ذراعها حزب الله زعزعت أمن البحرين والسعودية والكويت، وفي بيروت خطفت الطائرات والشخصيات الأجنبيّة لصالح إيران وحربها مع العراق، ومع هذا ترك العرب «السرطان الإيراني» يستفحل في الجسد اللبناني!!
فرَدَ الوزير نهاد المشنوق الحال مختصراً أمام وزراء الداخلية العرب وبينهم ولي عهد المملكة العربية السعوديّة وليّ العهد محمد بن نايف، قال: «جربنا نظرية قوة لبنان بضعفه ـ وهذه نظرية الشيخ بيار الجميّل الجدّ ـ واعتقد البعض أنها تعني تخلي لبنان عن واجباته العربية، فرد البعض الآخر أن ضعف لبنان بقوته ـ وهذه نظرية حزب الله ـ فارتدت علينا مآس أيضا بتوريط لبنان في نزاعات لا قدرة له على تحملها. وأقول اليوم انه آن لنا ان نتواضع وأن نخلص الى أن ضعف لبنان في ضعفه»، ولبنان اليوم في أوهن حالات ضعفه.
كان وزير داخليّة لبنان ناصحاً أميناً للعرب الحاضرين، قال لهم: «من موقعي البسيط والدولة الصغيرة التي أمثّل، لا أرى توازنا في المنطقة من دون تفاهم بين السعودية ومصر»، وأظنّ أنّ العرب وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي قدّموا الكثير لمصر في العامين الماضيين وقدّموا الكثير لرئيسها عبدالفتاح السيسي، وأظن أنّه آن أوان اختبار أنّ ما قدّمه السيسي للعرب ليس أكثر من «كلام وبس»!!
أعود إلى مقالتي من العام 2014 «نعم لوضع حزب الله على لائحة الإرهاب»، أستعير من تلك المقالة خاتمتها، فهي ما تزال صالحة وتنطبق على إعلان دول مجلس التعاون الخليجي حزب الله على لائحة الإرهاب، لأستعير منها: «إن حزب الله وضع يده على لبنان وعلى الحكومة فيه، ورسمياً أنهى إطباقه عليها بعد 7 أيار العار وهذا الأمر لا يعني إلا شيئاً واحداً، أنّ الحزب الذي مارس خطف الرهائن على مدى عقد من الزمن بات اليوم يخطف بالإرهاب بلاداً بأمّها وأبيها وعلى رأسها لبنان ودولته وشعبه»، واليوم يخطف مع لبنان أيضاً الكثير من العواصم العربيّة، وأنّ لحظة المواجهة العربية الحاسمة والحازمة معه، آتية لا محالة.