IMLebanon

بين حالتيْن «الغنميّة والتيسيّة»  

 

سكّروها في وجوهنا، لوائح مسكّرة، برغم كلّ مساوىء القوانين الانتخابيّة السابقة، كان باستطاعتنا أن نختار، هذه المرة ننتخب على طريقة «انت ما تفكّر نحنا منفكّر عنّك»، ننتخب على طريقة «يا غنماتي ماع ماع/ غنّوا معي ماع ماع/ ردوا عليّ ماع ماع/ شو بطعميكم ماع ماع/  امشوا وراي ماع ماع/ إنتو حياتي ماع ماع»!

نحن كشعب أقرب إلى «الحالة العنزيّة»، قد نشبه أكثر «التيوس» الذين كتب عنهم فيكتور يروفييف، هنا نصّ يستحق أن نستعيره، نصّ كأنّه يحكي عنّا اليوم، «حدث وأن أصبح الجميعُ، عندنَا في رُوسيا، على نحوٍ مَا ـ تُيوساً./ رؤساء العمل ـ تيوس./ المرؤوسون ـ تيوس./ الديمقراطيون ـ تيوس./ الشيوعيون ـ تيوس./الانتلجنسيا ـ تيوس./ الشباب ـ تيوس./العمال ـ تيوس./الروس الجدد ـ تيوس./المحالون على المعاش ـ تيوس.

العلماء ـ تيوس./ الفلاحون ، بالطبع، أيضا ـ تيوس./ في الجيش ـ كلهم تيوس، من الجنود إلى الجنرالات./ ومن البديهى أن يكون الرئيس أيضا ـ التيس الرئيسي./

كل ذلك، مثل الوباء، يوقظ بعض الشيء. وتكون النتيجة أننا نعيش في دولة تيسية مطلقة، حيث يتضح أن الغالبية العظمى منا تيوس مرتين وثلاث حينما يجمعون بين الأدوار المختلفة للتيوس. وعلى أية حال لم يكن الجميع في الماضي تيوساً. فعلى سبيل المثال، كان هناك استثناء لرواد الفضاء. ومن المشكوك فيه أن أحداً ما قد سُمَّيَ جاجارين تيساً. ولكن صار رواد الفضاء الآن تيوساً أيضاً. والشعراءُ ـ أيضاً تيوس. والمغنونَ المشهورون على وجه الخصوص ـ تيوس.  حتى الأجانب فـي روسيا، أولئك الذين كانوا حتى وقت قريب يتمتعون بالامتيازات، أصبحوا أيضاً تيوساً لا تقلُّ أو تزيدُ عن التيوس المحلية.

من جهةٍ أخرى، فالكثير من الشخصيات الروسية التاريخية التى رحلت عنا، من أمثال لينين ـ دخلت فى زمرة التيوس. لدينا ماضٍ تيسي. وتَشَكَّل لدينا وضعٌ تَيسي، حتى على الجبهة الجنسية. وإذا أخذنا فى اعتبارنا أن كمية غيرَ قليلةٍ من النساء الروسيات ترى أن الرجال الروس تيوس، فالوضع يصبح أشد خطراً. وبالتالي فكل ما يجري فى روسيا ـ أمر بديهي.

التيس ـ كلمة كريهة، سباب حاد، أشدُّ من كلمات السباب بالأم. ولعله أشهر سباب في روسيا في يومنا هذا. فهو لا يعرف أية حدود للعمر، حتى المربون فى رياض الأطفال يستخدمونه.

إذا كان سكان الدولة من الرجال يقعون تحت طائلة «القانون التيسي»، معنى ذلك أنه من اللازم أن يتم التعامل معنا مثلما يتم مع التيوس. أولاً ـ لا يجوز إطلاقاً أن يكون التيس محبوباً. أبداً. الشاذون، أولئكَ المجانين المهتمينَ جنسياً بالحيوانات، هم فقط الذين يحبون التيوس. ثانياً ـ لا يوجد أي احترامٍ للتيس. وفي النهاية ـ لا يوجد أي أسفٍ أو حزنٍ عند ذبح التيس. التيس ـ ليس صديق الإنسان. والتراجيديا لدى اليونانيين القدماء كانت تُسمى أغنيةً تيسية، وهذا يعني أنه لن يكون هناك أي مستقبلٍ في بلادنا. فالتيوس لا تملك مستقبل. ومن الصعب أن نجادل في ذلك.

ولكن ألا يمكن أن نشك فى الاستنتاج الأولي؟ فالسباب ـ ليس كنية أو اسماً مستعاراً. ولو حتى كنا تيوساً، فنحن تيوس بين الأقواس، أي بالمعنى المجازي حصراً. ومع ذلك، فهذا لا يعلل أو يواسي، لأن التيس المجازي كائن متعفن روحياً، الأمر الذى يعتبر أيضاً في غايةِ السوء.

فهل من الممكن أن نبرهن بحق أننا لسنا تيوساً؟ إذن فأية براهين لدينا يمكن أن نقدمها إلى صديقاتنا وزوجاتنا على أننا لسنا تيوساً؟ مَنْ مِنَّا في قرارة نفسه لم يسب نفسه بالتيس؟ مَنْ مِنَّا لم يجلد نفسه بسبب انتمائه التيسي؟ إن الهوية التيسية والوعي التيسي موجودان بداخلِ كلٍّ منا. وفي هذا لُبُّ القضية. فالتيسُ يريد أن يرى الجميع تيوساً، وبخلاف ذلك سيعز عليه الأمر، سيحزن ويتضايق.

هل هناك أي مخرج من هذا الوضع الناشئ؟ نحن الشعب المؤمن، الذى يعشق تعاويذ السحرة ورقيهم، يجب أن نجمع العالم كله: الشباب ورجال الشرطة والشيوعيون والمحالون على المعاش والروس الجدد، ونشرع في الغناء: نحن ـ لسنا تيوساً./ تيوس ـ ليس نحن./

يجب أن نكرر ذلك إلى ما لا نهاية وعلى تنويعات موسيقية مناسبــة: راب… راب… أو… تم… تم. بإيقاع هادئ.. وصاخب./ بسرعة وببطء. بعقل وبدون عقل./ ولكن الرئيسي هنا هو أن يكون الجميع مبتهجين فرحين مهللين: نحن ـ لسنا تيوساً./ تيوس ـ ليس نحن./ عندئذ سيكون كل شيء على ما يرام».

نعم، لا تقلقوا، يوماً ما سيكون كلّ شيء على ما يرام!

فيكتور يروفييف من مواليد موسكو عام 1947م أنهى كلية الآداب جامعة موسكو الحكومية عام 1970م. وفي عام 1973 حصل على الدكتوراة من معهد الأدب العالمي. بدأ شهرته بنشر مقالات عن ماركيز دي ساد في مجلـة «قضايا الأدب» الروسية عام 1973. له روايات وكتب نقدية عديدة منها «الجميلة الروسية» و»المحكمـة الرهيبة» و»زهور الشر الروسية». . * ترجمة أشرف الصبَّاغ.