أمر طبيعي أن تتداخل العملية الجارية في الموصل العراقية مع تلك التي لم تبدأ بعد في الرقّة السورية، فذلك يدلّ على ان الأميركيين يتابعون جدّياً شعار «الحرب على الارهاب» ويحاولون رد الاعتبار إلى دورهم (ودور الغربيين معهم) الذي راح فلاديمير بوتين بعيداً في استثمار غيابه!
والترابط الميداني بين المدينتين حتمي وتفرضه ظروف القتال نفسها. وحقيقة ان الجماعة الداعشية تعتمد خطاً باتجاهين: واحد ينقل عائلات قياداتها ومقاتليها من الموصل إلى الرقّة الأكثر أمناً! وآخر ينقل مقاتلين من الرقة إلى الموصل لدعم المتأهبين لمواجهة الهجوم عليها.
ولطالما كان ذلك الترابط شغالاً منذ حزيران 2014 في كل حال وبشكل فضائحي. حيث أن «داعش« هذا لم يكن يتورع عن استعراض قوافله المسلحة على طول الطريق الصحراوية المكشوفة داخل «دولته» العابرة فوق الحدود العراقية والسورية من دون أن يخشى ازدحام الطيران الحربي، وبكل هوياته، على مدار الساعة في سمائها! بل ان «التواطؤ» في هذا الشأن، يبدو مصطلحاً لا يغطي المعنى ولا المبنى! ولا يعبّر كفاية عن حقيقة هذا الفيلم ولا أبطاله ولا أدوارهم ولا وظائفهم!
ويمكن الاستطراد بخفر (وواقعية) والافتراض ان إدارة أوباما تؤسس في آخر أيامها لتوريث الإدارة اللاحقة، وقائع مغايرة لما إعتمدته طوال السنوات الماضيات.. وخصوصاً في شأن طبيعة التعامل المطلوب مع الجموح الروسي الفالت، على ما بدا ويبدو، من دون ضوابط، وعلى مساحات شرق أوسطية وأوروبية حارة وستزداد حرارة!.
من ضمن ذلك، العودة إلى المساحة الخالية في العراق وسوريا عن طريق الشعار الخلاّب القائل بمحاربة الارهاب بداية!! لكن لذلك تتمة منطقية لا يستقيم أي نقاش جدّي وأي سياسة منطقية من دون الأخذ بها، وهي ان مقاتلة الارهاب فعلياً، لا تتم على ما قيل ويُقال وسيقال، بالعسكر والأمن والتعبئة المضادة فقط، وإنما بمقاربة مسبباته قبل نتاجاته! وتلك تعني في العراق إعادة النظر في التركيبة السياسية الحاكمة بما يسمح بإعادة تلوينها وتزيينها وكسر أحاديتها المذهبية! ثم بلجم المحاولات الفئوية والفتنوية القميئة لتعديل الجغرافيا البشرية في مناطق الوسط والشمال والغرب، وذلك أوله واساسه إعادة من نزح من مواقع القتال إلى ارضه وبيته ومنع ما يُسمى «الحشد الشعبي» من المسّ بالتركيبة الديموغرافية التاريخية للموصل!
.. وتعني في سوريا، العودة إلى اعتماد المعادلة الصحيحة (والاميركية اساساً بالمناسبة!) التي تعتبر الرئيس السابق بشار الأسد أبرز وأهم العوامل الجاذبة والناتجة والمبررة للارهاب، الأخطر والأهم من «داعش»! والضرورة الحتمية بالتالي لمقاربة الأمر من دون تقسيم أو فرز! والخروج أخيراً من ثنائية المفاضلة بين ارهاب الاسد أو ارهاب «داعش» والجماعات التكفيرية!
معركة واحدة فوق ساحتين، لكنها ستكون معركة في سياق «حرب» ضد الجموح الروسي يستعد الغرب لخوضها بالتعبئة والاستنفار والسياسة والعقوبات مباشرة، وعلى الارض بشكل غير مباشر..