ذهب الجنرال علي شمخاني الى العراق، فغادره الجنرال قاسم سليماني. أو هكذا بدت الصورة غداة التسوية التي قضت بإنزال نوري المالكي عن أكتاف العراقيين ووضعه على الرفّ.
بين الجنرالين فوارق لم تكن معروفة للعامة إنما لأصحاب الشأن والاختصاص، ولم تكن مطروحة على البساط السياسي العربي الراهن، كما لم تكن ملحوظة في سياق العلاقات المتفجّرة العربية الإيرانية.. وهي فوارق متأتية من تبعات الدور ليس إلا، أي أن الجنرال سليماني كان عنواناً للأزمة العراقية ووصولها الى حائط مسدود من خلال دوره الميداني والتوجيهي والوصائي إضافة الى مسؤولياته وخبراته الميليشيوية، في حين أن شمخاني كان عنواناً للحل، أو لبداية فكفكة العقد العراقية والذهاب الى التسوية التي لم يعد هناك مفرٌ منها، وإلاّ تراكمت الخسائر الإيرانية فوق بعضها وفوق ركام وحطام الدولة في بغداد ومؤسساتها وأدواتها وأدوارها وجيشها وأجهزتها الأمنية، عدا عن الفتنة بين مكوناتها وداخل تلك المكوّنات سواء بسواء.
شمخاني ذو الأصول العربية المولود في الأهواز (خوزستان) وزير الدفاع السابق والرئيس الحالي للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، جاء الى بيروت ثم راح الى دمشق، حيث يلعب الجنرال سليماني دوراً ميدانياً و«توجيهياً» شبيهاً بذلك الذي لعبه في بغداد أيام المالكي.
المهم، أن طيف قائد «لواء القدس» في «الحرس الثوري» مهيمن على سياسة إيران وأدواتها وحلفائها في لبنان، ومنذ زمن، وتبعات ذلك لحَظَها و«لمسها» كثيرون؟! وهي في الإجمال سياسة قطع لا وصل ونزال لا وصال ومواجهة لا تسوية.. فماذا جاء يفعل في بيروت الجنرال الآخر عنوان «السياسة» المختلفة؟ وهل يصحّ طرح السؤال الافتراضي عن «شيء عراقي» في زيارته اللبنانية؟؟.. «عراقي» بمعنى تسوية تفكّ أسر اللبنانيين من قيد الفراغ الرئاسي الذي يحمله مرشح «حزب الله» النائب ميشال عون؟ مثلما انفكّ كابوس المالكي عن صدور العراقيين؟
في ظواهر الأمور إذن، أن جنرالاً إيرانياً «يلغي» جنرالاً آخر، أو سياسة تنفي أو «تلطّف» أو تعدّل سياسة أخرى ودائماً تحت السقف الإيراني ذاته.. السقف الذي لا تُلحظ تحته أي مصلحة غير تلك الذاتية المتعلقة بالجمهورية الجامحة ومشروعها الامبراطوري.
ويبقى، أن زيارة شمخاني لدمشق قد لا تعني تغييراً في سياسة بلاده إزاء بشار الأسد.. ومع ذلك فهي لافتة ويُفترض مبدئياً أن تزيد من هموم الأسد لا أن تقلّلها.