تصرخ منال باكية: اغتصبني. يعلّق الناس الذين تجمّعوا حولها في الشارع بعبارات مختلفة: «مبينة خبرة». «فلتانة». «مبينة من واحد لواحد»… وغيرها. منال كانت تمثل دور الضحية، في حين كان المتحلّقون حولها على طبيعتهم! إذ لم يكونوا على علم بأنها كانت تؤدي دوراً تمثيلياً في سياق تجربة أطلقتها جمعية «أبعاد»، أمس، ضمن حملتها «مين الفلتان؟»، لمعرفة ردود أفعال الناس حيال فتاة تعرضت للاغتصاب ووقفت تبكي في الشارع ليلاً.
الهدف الرئيس من الحملة هو الضغط لتشديد العقوبات وتسريع المحاكمات بحق المعتدين في حالات العنف الجنسي والاغتصاب بشكل خاص، و«تغيير النظرة المجتمعية التي تصم المرأة المغتصبة بالعار وتدفعها إلى التستر على الجريمة، وخلق رأي عام داعم يدين فعل الاغتصاب»، بحسب مديرة الجمعية غيدا عناني.
أثناء إطلاق الحملة وعرض التجربة المجتمعية، حضرت نساء تعرّضن فعلياً لاعتداءات جنسية. منى (35 سنة) تحدثت عن تعرضها لاعتداء جنسي بشكل متكرر من زوج أمها في سنّ الثامنة. مع بلوغها الثامنة عشرة أخبرت والدتها فلم تصدّقها، وقطعت علاقتها بها واتهمتها بالكذب والافتراء.
بحسب إحصاءات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لعام 2017، فإن واحدة من كل أربع نساء في لبنان تتعرّض للاعتداء الجنسي، فيما 13 فقط تبلّغن شهرياً عن ذلك! ورغم أن التبليغات لا تُميّز ما إذا كان الاعتداء ناجماً عن فعل اغتصاب أو تحرّش، أو ما إذا كان يندرج ضمن الاستغلال الجنسي الذي تتعرّض له الفتيات اللواتي يُجبرن على ممارسة الدعارة، إلّا أنه يعكس واقع «تستّر» الفتيات على حوادث الاعتداء الجنسي التي يتعرّضن لها.
والمفارقة أن إحصاءات الجمعية تُشير إلى أن نحو 49% من حالات الاعتداء الجنسي يكون المغتصب فيها أحد أفراد أسرة الضحية أو معارفها، أو من محيطها الاجتماعي.
لا تنفي المساعدة الاجتماعية مروة عساف صعوبة حثّ أكبر عدد ممكن من الفتيات والسيدات على الحديث عن تجاربهنّ والتبليغ عنها، مهما كانت قديمة، باعتبار أن أثر معاناة كهذه ليس آنياً، بل يرافق الضحية طوال حياتها. إلا أن هناك دوماً ما يبعث الأمل، وهو أن «الدار»، أو مركز المساعدة الاجتماعية في منطقة البقاع، بدأ يستقبل حوالى 25 سيدة شهرياً (تتراوح أعمارهن بين 18 و40 سنة)، وهو عدد لم يكن متوقعاً عام 2011، في السنة الأولى التي افتتح فيها. بحسب عساف، هذه المراكز خلقت رغبة عند النساء الضحايا أنفسهن في التضامن في ما بينهم، وتشجيع اللواتي ما زلن يتجنّبن الإفصاح خوفاً من الفضيحة (تقديرات الجمعية تُشير إلى أن نحو 80% من النساء في لبنان يعتقدن أن الموروثات الاجتماعية والثقافية تبرر التحرش الجنسي والعنف ضد النساء).