Site icon IMLebanon

ما بين ترامب ونصر الله

على الشاشة الصغيرة نفسها أتاح لي هاتفي الذكي أن أتابع حدثين متناقضين في آن٬ أعني تفاعلات الجموع الغاضبة التي جابت شوارع بيروت وأرصفة العالم الافتراضي احتجاجا على برنامج عرض على قناة MBC تناول الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بشكل ساخر٬ وفي الوقت نفسه النقاشات الواسعة التي رافقت حلقة البرنامج الساخر من الجمهوري الأميركي «دونالد ترامب» والذي يقدمه الكوميدي «جون أوليفر» عبر محطة HBO الأميركية وما تبع الحلقة المعنية من هاشتاغ ساخر ضد هذه الشخصية اليمينية المقيتة.

ففيما كان جمهور حزب الله يقطع الطرق ويحرق الإطارات ويطلق السباب واللعنات احتجاجا على برنامج تلفزيوني قارب تناقضات نصر الله بشكل هزلي٬ اشتعل في المقلب الآخر من العالم نقاش يتعلق بقدرة مقدم ساخر كوميدي متميز مثل «جون أوليفر» على المقارعة السياسية وإقناع رأي عام أميركي يواصل منح ثقته للمرشح الجمهوري المثير للإزعاج والقلق في آن «دونالد ترامب».

وقبل نقاش أحداث الشغب التي باتت لازمة لأي برنامج يسخر من نصر الله من المفيد التوقف عند الحلقة التي أعدها «جون أوليفر» وهي حلقة عدها معلقون بارزون أنها من أهم الردود السياسية ضد المرشح اليميني ترامب الذي بدأت نجاحاته تثير القلق بشأن مزاج الناخب الأميركي الحالي. صحيح أن غالبية النقاط التي طرحها «أوليفر» سبق أن أثيرت بشكل متفرق في برامج ساخرة أخرى٬ لكن الكوميدي المميز هذا جهد في جمع كل التناقضات والحماقات والمواقف البائسة لترامب وقدمها في قالب حيوي ومحبوك بشكل ناجح جدا. وهذا الأسلوب الذي يمزج ما بين العمل الصحافي بمعنى جمع المعلومات والتوثق منها٬ وعرض التناقضات بشكل يحاكي العمل الاستقصائي٬ وتقديم ذلك في قالب ساخر خفيف بات من أكثر أنماط العمل الإعلامي جاذبية وشعبية في عالمنا الحالي. والمقدم في حالة الحلقة التي تناولت «ترامب» عرض مادة حيادية بمعنى أنه تم جمع سلسلة مواقف وحقائق غير منسجمة بشأن ترامب وربطها في سياق مقنع وبشكل يظهر هزال وكذب ووقاحة مواقف المرشح بشكل لا لبس فيه في محاولة للرد على من انجرفوا وراء أفكاره. وهنا كرر المقدم حق من يشعر أن هناك كذبا أو اختلاقا أن يتقدم ويتشكى للقضاء وهو أمر لم يحصل٬ بل على العكس فقد نال الفيديو على «يوتيوب» شعبية ساحقة ومشاركات أظهرت حجم التفاعل معه من دون أن يلجأ أحد إلى القضاء٬ وطبعا لا مظاهرات ولا قطع شوارع كما يحصل عندنا. المفارقة في الجانب الآخر من عالمنا هو أننا ما زلنا نناقش مبدأ حق السخرية والضحك قبل أن نصل إلى المضمون والمستوى والاحترافية٬ وفي تلك نقاشات مستفيضة ومخيبة في كثير من الأحيان. فالحلقة التي سخرت من نصر الله والتي كادت أن تودي بـ«السلم الأهلي» اللبناني الهش والمهدد دوما لا تقارن بأي حال بحرفية ما قدمه الكوميدي جون أوليفر٬ لكن تبقى الفكرة الأساس هي أننا هنا وبشق الأنفس نحاول الضحك والابتسام رغم كل محاولات الإسكات سواء الرسمية أو عبر الجموع التي غضبت٬ لأن برنامجا هزأ بـ«قداسة» مزعومة. من السهل تجميع كثير من الزيف والتناقض في كلام نصر الله٬ ولعل هذا ما يجعل حزب الله قلقا من فكرة السخرية مخافة أن تفتح نافذة ما في العقول المغلقة بالعصبية والخوف. مع ذلك فهذه السخرية تشق طريقها ولا تقف عند تحريم هش وهالة مفتعلة. وخاصية القلق والخوف من السخرية والضحك لا تنحصر طبعا بحزب الله٬ فهذا داء عام في مجتمعاتنا العربية٬ وهو هاجس تضاعف بعد ثورات عام ٬2011 لكن في الحالة هذه بدا الاحتجاج والرفض ليس لأن مستوى ما قدم ركيك٬ بل هو رفض لفكرة الضحك والهزء من الاعتوارات البالغة الوضوح٬ وعد ذلك خطرا كبيرا على عقول من يتم التحكم بهم وبمصائرهم. مجددا٬ بدت السخرية خطرة على صورة

الحزب أكثر من الموت نفسه. وطبعا كل من يشارك حزب الله عقيدته من أنظمة وأحزاب فاشية وقومية ودينية تشاركه هذه الخاصية التي لا تمانع في تهديد الساخرين والنيل منهم سواء رمزيا أو جسديا.