الحكي الكثير الذي امتلأت به الأجواء، أمس، داخل القاعة العامة في مجلس النواب لم تبقَ منه سوى خلاصة واحدة وهي أنّ النواب اغتنموا المناسبة لإطلالة تلفزيونية، أمّا البيان الوزاري فكان «آخر اهتمامهم»، حتى لدى الذين ناقشوه، لأنّ الذين تناوبوا على الكلام إنما انطلقوا من خلفياتهم وليس من مضمون هذا البيان المطوّل الذي يمكن استعادة أجزاء عديدة فيه من البيانات التي أدلى بها رؤساء الحكومات المتعاقبة، من عقود طويلة… بل إن بعض البنود يمكن قراءاتها في بيانات حكومات العهد الاستقلالي الأوّل.
وما سوى ذلك لرفع العتب.
ذلك أنّ الجميع يعرف بداهة، وبيقين، أنّ البيانات الوزارية، على أهميتها في المبدأ، ليست ما يتجاوز التقليد. فالثقة قرار (كان وما زال) يتخذه رؤساء الكتل، وأحياناً كثيرة رؤساء الأجهزة، وأحياناً يُتخذ في الخارج.
ولكي لا نظلم حكومة الدكتور حسان دياب، وأيضاً كي لا نظلم النواب موالين ومعارضين وممتنعين ومقاطعي الجلسة، نكرّر أن أسلوب التعامل مع البيان الوزاري اليوم ليس بدعة مستحدثة إنما هو (وتكراراً أيضاً) مسار مستمر طويلاً.
هذا في ما يتعلق بالبيان الوزاري وكلام النواب فيه.
أمّا اللافت فكان موقف الوزير وليد جنبلاط الذي أمّن اكتمال النصاب بعدما «اكتشف» عرّابو الحكومة أنهم وقعوا في فخ الكتل المعارضة التي عندما قالت إنها ستحضر الجلسة (خصوصاً كتلتي المستقبل والقوات) فإنها لم تنبئهم بأنّ حضورها مرتبط بإكتمال النصاب. أي إنها ستشارك في الجلسة (وليس في منح الثقة) إذا أمنت الأكثرية المفترضة نصاب عقد الجلسة. وقد أُسقط في يد الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر والحلفاء، إذ وصلوا أمام الباب الموصد الذي فتحه حامل مفاتيح الحلول الرئيس نبيه بري الذي أجرى بضعة اتصالات أثمر أحدها، الذي أجراه مع جنبلاط، فأرسل النجدة من كليمنصو حيث كان مجتمعاً مع نوابه.
لماذا تجاوب جنبلاط؟
لأسباب عديدة أبرزها قاطبة أنّ سيد المختارة لم يكن ولن يكون في وارد التخلّي عن تفاهمه مع عين التينة. ولأنّه أيضاً لا يقيم للانتفاضة وداً، على عكس الأيام الأولى للثورة التي حاول أن يركب موجتها في أيّام انطلاقتها الأولى ولكنها لم تنفتح عليه. ولأنه وإن حجب الثقة عن الحكومة فهو ممثل فيها بوزيرة الإعلام المحسوبة عليه، وقد تم كسر قرار رئيس الحكومة الذي كان مصراً على 18 وزيراً، فتم رفع العدد بوزيرين، فقط إرضاء للمختارة. ولأنّ جنبلاط، فوق ذلك كله، يعرف أن حزب الله يستعجل نيل الحكومة الثقة لغير سبب وسبب. ورئيس اللقاء الديموقراطي ليس في وارد فتح مواجهة مع حارة حريك.
المهم أنّ ما كُتب قد كُتب… فالثقة، هزيلة أو لا… (وهي هزيلة بالتأكيد في المجلس) ليست ذات أهمية عملياً… فالثقة المطلوبة هي تلك التي يمنحها الناس. وعلى الحكومة أن تعمل لتكسبها.