يصحّ الافتراض أنّ المعركة في الزبداني هي غيرها في يبرود.. الأخبار الآتية تتحدّث عن شيء ميداني طاحن، ومواجهات ضارية تجري بين القوى المهاجِمة المشكَّلة من «حزب الله» برّاً والطيران الحربي الأسدي جوّاً من جهة، ومقاتلي المعارضة المحاصَرين داخل المدينة من جهة ثانية..
والمعروف مبدئياً، أنّ ألفي مقاتل مُحاصَرين من دون منفذ يساوون أضعافهم من المهاجمين.. الأمر لا يحتاج إلى اختصاص عسكري، ولا إلى تمحيص في خرائط المواجهات، بل هو منطق يسري في كل حال ومجال بحيث أنّ الشراسة صنو الحصار، مثلما أنّ الانتحار صنو الإغلاق وانقطاع الرجاء من كل الجهات!
وجلّ المحاصرين المقاتلين في الزبداني هم من أهل القصير ويبرود. الأولى سقطت بنصف مواجهة والثانية سقطت بتسوية مدفوعة الثمن! وارتحل من فيهما إلى منطقة القلمون السورية وجبال عرسال اللبنانية، قبل أن يشدّ الجزء الأكبر منهم رحاله إلى المدينة الواقعة الآن في عين العاصفة.
في العمق وتحت ضجيج هذه المذبحة المخزية، يحاول «حزب الله» أن يقول في الإعلام والسياسة والمناخ النفسي والتعبوي شيئاً آخر أهم من كسر المدينة المحاصرة بالنار والدمار: يحاول القول والإيحاء بأنّ الفرضية السارية بين «كل» المعنيين بهذه الحرب (مجدّداً: كل المعنيين!)، وعلى المستويات الثلاثة المحلية (السورية واللبنانية) والإقليمية والدولية، من أن بقايا سلطة الأسد على حافة الانهيار التام، ليست واقعية! وأنّ الهلع الضارب في تلابيب المحور الإيراني من تحقق تلك الفرضية، لا صلة له بالواقع! وأنّ سقوط دير الزور وإدلب كان انتكاسة موضعية ولا تعكس واقع الحال..
وواقع الحال، هو أنّ «حزب الله» وحده وبالنيابة عن ملهمه الإيراني، لا يزال يفترض أنّ حصار الزبداني يعوّض عن حصار بقايا سلطة الأسد في مربّع هزائمها وانهياراتها وانكساراتها وهريانها الداخلي.. وأنّ الضجيج المنفوخ والمبالَغ فيه لمعارك القلمون وللمعركة الجارية الآن، كفيل بتفطيس ضجيج العجز المتراكم في كل البنى التحتية والفوقية للسلطة الأسدية.. من المدَد البشري إلى التراجع الكارثي لقيمة العملة السورية.
وواقع الحال في خلاصته، هو أنّ محاصرة الزبداني بالنار لن تعوّض محاصرة «حزب الله» بتورّطه النكبوي في سوريا، ولا محاصرة بقايا السلطة الأسدية بزنّار تراكم عجزها، وبقاء الترقُّب من اندحارها الأخير في دمشق ودفعة واحدة، مشعشعاً ونضراً وعصيّاً على الحجب خلف غبار دمار الزبداني.