هذا الذي سيرد ادناه ليس وهماً ولا هو خيال. انه واقع ملموس، عشناه يوم كانت هموم القوم في لبنان تنحصر في المحافظة على السمعة الكونية التي نالها الوطن الصغير بفضل شعبه والمسؤولين والقيادات فيه.
ليست مصادفة، او لم تكن كذلك، انهم كانوا يشكلون الحكومات في أيام معدودة، حتى اذا ختم الرئيس المكلف استشاراته في مجلس النواب توجه الى القصر الجمهوري وعقد جلسة مشاورات مع الرئيس لا تنتهي الا بإصدار المراسيم. وفي اليوم التالي تسليم وتسلم، والى العمل در.
هكذا، بهذه البساطة والواقعية كانت تجري الامور. وكان كل شيء على ما يرام… فلبنان في مهرجان منوع دائم: ملكة جمال أوروبا تنتخب في كازينو لبنان.اشهر دور الأزياء تطلق احدث صيحاتها من بيروت. الملك فيصل آل سعود يصطاف في شتوره. «ملوك» الفن والطرب يمضون أوقاتهم في الربوع اللبنانية (محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش في فندق طانيوس في عاليه). لا ينتج فيلم سينمائي عربي الا يجرى تمثيله كليا او جزئيا، في لبنان. لبنان يترأس الجمعية العامة للامم المتحدة، ويترأس منظمة الأغذية والزراعة الدولية ويجدد له فيها مرارا وتكرارا. ويترأس اتحاد وكالات أنباء الدول العربية ورابطة وكالات انباء دول حوض البحر المتوسط (على القارات الثلاث اوروبا وآسيا وافريقيا)، ويترأس منظمة الدفاع المدني العالمية، ويترأس محكمة العدل الدولية في لاهاي.
والاهم الدور الذي كان يقوم به هذا البلد، داعية للسلام، في محيطه والعالم. وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر بادر الرئيس كميل شمعون الى الدعوة لمؤتمر قمة استضافته بيروت.
وعندما فاض انتاج التفاح كثيرا عن الاستهلاك المحلي، ما هدد المزارعين بخسائر كبيرة استدعى شمعون السفير الأميركي وطالبه بشراء المحصول اللبناني، وعبثا حاول السفير ان يتملص بدعوى ان كاليفورنيا هي اكثر منطقة في العالم منتجة للتفاح الفاخر، قال له شمعون: عليكم أن تبتاعوا تفاحنا ولو رميتموه في البحر. وهكذا كان في زمن الازدهار والبحبوحة.
وعندما تسند وزارة المال الى الشهيد رشيد كرامي لم يكن اي طرف ليعترض تأكيدا على الثقة بالرجل الذي كان حريصا على المال العام حرصه على نفسه، ولأنه كان يتعامل مع المالية على انها ملك اللبنانيين جميعا وليست ملكا شخصيا لفريق شاغل الحقيبة.
ويمكن الاسترسال في هذا السياق طويلا… علما أن اولئك الميامين كان المحظوظ منهم يرافقه في تنقله سائق ومرافق، اما القوم اليوم فكما تعرفون…