Site icon IMLebanon

بين عقلَين.. ونوويَّين

 

يُكمل استعداداته دونالد ترامب لحدثَين كبيرَين «نوويَّين»، واحد إيجابي وآخر سلبي. وواحد مُفاجئ وآخر محسوب. وواحد ولاّد انفراجات وآخر ولاّد سلبيات مُضاعفة!

 

العنوان واحد لكن الفوارق كبيرة، وهي ذاتها الدالّة على اختلاف الجذور المولّدة لها، والعقول المحرّكة لظواهرها: نظام كوريا الشمالية الستاليني المقفل «تمكّن» في اللحظة الحاسمة من الاستدارة المُنتجة. ومن رؤية العبث الكامن في مدوّنة سلوك غير منطقية ولا تُطعم خبزاً. كأن تمتلك قنبلة نووية فيما قنابل الجوع تفتك بالناس في «دولة العمال والفلاحين» موسماً تلوَ موسم! وأن تمتلك صواريخ عابرة للقارات فيما ثلاثة أرباع الطرق غير معبّدة! وأن تمتلك تقنية التصنيع العسكري وتملأ المخازن بالأسلحة والذخائر فيما السلع الحياتية «الأولى» لا يَعرِف عنها أي شيء، مَنْ هم خارج «النخبة» الحزبية في المربّع السلطوي الأول في بيونغ يانغ! وعدا كونها في الأساس عَصيّة من دون المدَد الصيني.. ومن القمح إلى الرز!

 

بعض هذه الحقائق كان كافياً لطمس مطوّلات الأدلجة البائدة. وللدفع باتجاه التواضع في الادعاءات والشعارات، ولاعتماد مقاربة براغماتية معقولة و«أرضية» من دون جوانح وتماسيح طيّارة وأفيال ملائكية! وهذا في كل حال، لا يغيّب حقيقة لمّاعة مفادها أن الكوريين الشماليين «مُنتجين» للصناعات العسكرية وتقنيات الصواريخ والمفاعلات النووية، وليسوا مُستوردين ولا مُقلّدين!

 

يمكن لدونالد ترامب أن يتباهى بطاووسية مألوفة، أنه اتبع سياسة حاسمة وحازمة ساعدت النظام في بيونغ يانغ على النضج وتغيير تكتيكاته وحساباته. ويمكنه أن يُشكر في طريقه، القيادة الصينية على «جهودها» في تحضير صالة الأفراح وتزيين العرس الموعود.. لكن ذلك لا يكفي لتفسير «الانقلاب» الكوري الشمالي والذهاب دفعة واحدة من احتمالات الفناء والإفناء إلى رحابة العيش والإحياء! وفي ذلك تحديداً (والله أعلم!) يَبَان ذلك الفارق الماسّي بين العقل والوهم والواقع والمتخيّل والذكاء والتذاكي!

 

.. نظام إيران، في المقابل، يرتع هانئاً «مطمئناً» في غيبياته! وفي أوهامه المكلفة ومشاريعه المستحيلة! وكأنه لا ينتبه، أو لا يريد أن ينتبه، إلى أن تكتيكاته مكشوفة ومرفوضة ومرّ عليها زمن الصلاحية. وأساس ذلك (مراراً وتكراراً) أن أوهام النفوذ الخارجي لم تطمس حقائق الهريان الداخلي. وأن الاستمرار في افتعال المشاكل مع الخارج لم يجنّبه الأسئلة الكبيرة عن المشاكل المتعددة الأبعاد والطبقات والعناوين في الداخل! وأن الاستمرار في إشعال الحرائق في الجوار لن يمنع وصول لهيبها إلى الدار! وأن العنوان النووي العائد إلى التأزّم مع ترجيح انسحاب الأميركيين من الاتفاق الموقّع بين طهران والدول الخمس زائداً ألمانيا، سيكون في المحصّلة، جزءاً من «القضية الإيرانية» وليس وحيدها العزيز! وأن التباهي السابق، «بنجاح» المفاوضين الإيرانيين في عزله عن قضايا السياسة الخارجية والصاروخية، سيُبلع ويُرذلْ! وسَيَنْكر أصحابه أبوّته والمسؤولية عنه! عدا عن توقّع خروج من سيقول إن تلك كانت «هفوة عابرة» لكن تداعياتها ستكون دائمة واستراتيجية!

 

محطتان سيتوقف عندهما دونالد ترامب قريباً جداً: واحدة نتاج العقل في بيونغ يانغ. وثانية نتاج الوهم في طهران! وأي فارق!!