بين اجتماع الرياض الأول لدول التحالف الإسلامي العسكري المخصص لمحاربة الإرهاب الذي افتتحه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمس، ومطالعة قائد «الحرس الثوري» الإيراني محمد علي جعفري عن الفوائد التي جنتها بلاده من «داعش» لتمتين «جبهة المقاومة» يوم الخميس الماضي، أكثر من مجرّد فاصل زمني.
إنه فاصل بين عالمَين. واحد خرج من الرياض على لسان الأمير محمد بن سلمان يرسّخ ثقافة اعتبار الإرهاب «أكبر خطر» على العقيدة الإسلامية والبشرية في الإجمال. ويتوعد «بملاحقته حتى يختفي عن وجه الأرض». وثانٍ خرج على لسان الجنرال جعفري يرسّخ ثقافة «الاستثمار» في الإرهاب حتى لو كان على المستوى «الداعشي» المدمّر والعبثي والحارق، من أجل ما تراه إيران تدعيماً لما تسميه «توحيد جبهة المقاومة» في عموم المنطقة.
واللافت أنّ الجنرال الإيراني كان شديد الوضوح في عرض آرائه، وقال حرفيّاً إنه لو تمّ تدمير «داعش» منذ البداية «لما أمكن إيران تنظيم الجماعات الكبيرة والصغيرة المسلحة في جميع أنحاء المنطقة وتوحيد جبهة المقاومة».. وهو في ذلك، يؤكد القراءات الاتهامية التي قالت وتقول إنّ طهران لا ولم تعوّف أو توفّر شيئاً في سبيل تحقيق أهدافها الاقتدارية والنفوذية في جوارها العربي والإسلامي، حتى لو كان ذلك من النوع الفاتك بالقيم الإسلامية العامّة، والمشوّه بالعمق للنصّ المركزي الأساسي الأول! وحتى لو ارتجّ العالم بأسره على وقع الارتكابات والفظاعات المسجّلة باسم «مسلمين»!
تماماً مثلما أنّ المخيال الثوري الإيراني برمّته لا يرى في الفتنة الضارية والضاربة في طول عالم المسلمين وعرضه، وفي النّكبات الحاصلة في الدول المخلّعة والمشلّعة راهناً، وفي المصائب النازلة بالسوريين والعراقيين واليمنيين، سوى «إنجازات» لا تنزل تحت سقف التغنّي بالسيطرة على أربع عواصم! ولا بالقول إن شيئاً لا يُقرّر في تلك العواصم وفي غيرها من دون إرادة إيران!
لم يجد الجنرال جعفري أي حرج (!!) في القول، إن القضاء على «داعش» في بداياته كأنّ أمراً لا يتلاءم مع سياسة بلاده! لم يتوقف لحظة واحدة للتمعّن في قوله! ولا في ارتداداته السلبية على كل القيم التي تدّعيها!.. لم تعنِ له شيئاً كل الفظاعات التي ارتكبها ذلك الإرهاب المشبوه والموبوء في حقّ مَن وصل إليهم! ولا في الرزايا والآلام والويلات التي أصابت ملايين البشر (من دون مبالغة)، في سوريا والعراق أساساً وأولاً، وفي غيرهما ثانياً! لم يرَ سوى «الفرصة» التي لاحت لبلاده كي تحشد حشدها المذهبي على مستوى المنطقة وتسمّيه «جبهة مقاومة»!
في العودة (الخلاّبة دائماً) للراحل هاشمي رفسنجاني، استذكار لقوله في إحدى المرّات أن الغلو المذهبي (في إيران) المعبَّر عنه بطقوس وممارسات وتعبئات باتجاه الآخرين، (يعرفها الجميع!) هي التي أنتجت ردّ فعل على المستوى «الداعشي»! والواضح، أنّ هذا الرجل الموصوف قبل وفاته بأنه آخر الأحياء الكبار من الرعيل الأول للثورة، كان يعرف أكثر بكثير مما قاله وخصوصاً عن «الملاذ الآمن» الذي حظي به قادة من «القاعدة» في بلاده! وغير ذلك الكثير من التفاصيل التي تذكّر وتؤكّد أنّ الاستثمار في الإرهاب، كان «سياسة» رسمية مأذون بها من أرفع المستويات!
معروف، أنّ إيران راكمت مكاسب كبرى على ظهر «الإرهاب»! وأمكنها الادّعاء بأنّها في صفوف محاربيه وليست جزءاً فاعلاً منه! وإن منابعه عند «غيرها» (مذهبياً!) وإن الجزّار الأسد «ضرورة» وجودية! وإن البديل عنه هو «داعش» تحديداً.. وإن السعي لإحكام منطق الغلَبَة في العراق وتثبيت «النفوذ» تمّا تحت ستار الحرب على الإرهاب.. معروف ذلك كلّه وما هو أكثر منه، لكن الغريب هو أن يقرّ كبير جنرالات إيران بذلك حتى لو اختصر الموضوع بعنوان «توحيد جبهة المقاومة»!
.. اجتماع الرياض عنوان عالم آخر. وسياسة مختلفة. وثقافة مضادة. وأول ذلك وأساسه هو التصدّي الضاري لأخطر وأخبث وباء أصاب المسلمين في كل تاريخهم، وأصاب العالم برمّته في العقدين الماضيين.. ثم إعادة الأمور الى نصابها، وإنهاء الاستثمار الإيراني في البضاعة الإرهابية!