Site icon IMLebanon

بيننا وبين الجزائر، بُعد ليتنا نقترب من إيجابياته

 

 

لا أعلم لماذا بات يطيب لي المقارنة بين وضعين آنيين، وضع احتل بجديته وغرابته وعمق شموليته، متمثل بما هو حاصل في الجزائر، بما فيه تطوراته الدراماتيكية الأخيرة، ووضعنا في لبنان، حيث البلاد تهوي منذ سنوات بل منذ عقود إلى مخاطر لم يسبق لها أن اقتربت منها إلى هذه الحدود الدافعة إلى القلق العام والتخوف الشامل من أن يكون الآتي هو الأخطر والأسوأ.

الوضع في الجزائر، قد تمثل طويلا في سلطة ممسكة ومتمسكة بمقاليد البلاد بإطباق كامل منذ ما يناهز الثلاثة عقود من السيطرة الشاملة، غاب فيها الشعب عن الحركة والانتفاض، الأمر الذي دفع به إلى هذا التحرك الهائل بوعي مدرك لخطورة أوضاعه معتمدا سلميّة التحرك نهجا له أوصله إلى بلوغ الكثير من أهدافه ومطالبه الوطنية.

وها هو شعب الجزائر بملايينه الناهضة، بعد أن استفاق إلى أحواله الغريبة العجيبة المتمثلة خاصة بكونه محكوما منذ سنوات بواجهة صورية الوجود شكلا ومضمونا ونتائج، ومع الإقرار للرئيس بوتفليقه «الحاكم والمحكوم» بتاريخ نضالي معروف، ومن جهود دائبة خلال سنوات حكمه الأولى التي كان فيها إنسانا سليما معافى، إلاّ أن الإستغراب كله متمثل في الوضعية الحالية لهذا الرجل المتخفي منذ سنوات طويلة، عن الظهور وعن الكلام فضلا عن اتخاذ المواقف بقوله وفعله الشخصي الغائب تماما عن الساحات كلها والشاشات ووسائل الإعلام جميعها، حتى إذا ما تحرك، فيتحرك عنه آخرون، وإذا تكلم وأطلق الأقوال والمواقف، فبواسطة آخرين. هو شبح يحكم حكومة وبلدا وشعبا من دون أن يكون له وجود. يزعمون بأنه في كل الأحوال يطبق الدستور المستمر في الإمساك بأوضاع البلاد منذ حوالى ثلاثين عاما، وبموقف فجائي لم يظهر للعيان إلاّ منذ أيام قليلة، أعلن الرئيس بوتفليقة «أو أُعلن عنه» جملة من القرارات التي تراجع فيها عن ترشيحه، دون أن يتراجع عن استمراره في الرئاسة انطلاقا من صلاحياته المفترضة التي تجيزها له عهدته الرابعة. وأقال فيها رئيس الحكومة وأطلق العنان لجملة من التدابير التي لقيت ترحيبا أوليا من الشعب الجزائري دون إهمال لجملة من المواقف الحادة التي رفضت ما اسمته بالغايات المبطنة الهادفة إلى احتواء الموقف الشعبي المشتعل بهدف الإبقاء على «طغمته» الحاكمة المتشبثة بمواقفها الممسكة بأوضاع الجزائر منذ عقود عديدة. هو نصر أولي يحرزه الشعب الجزائري دون شك، ولكنه نصر ينتظر ردود الفعل الشعبية التي سترقى إلى الوجود في مظاهرات يوم الغد الجمعة فضلا عما لاقته ردود فعل رافضة بقوة خلال اليومين الماضيين مع التحسب سلفا إلى ما قد يطرأ في أمواجها من خلافات، بين فرقائها المتعددين التي نرجو للجزائر أن تتخطاها بأقصى حد من الوعي والسلامة.

ليست الغاية من هذا التعليق الإيغال في التطرق إلى الوضع الجزائري، ذلك أن أكثر ما استوقفنا في هذه المقارنة مع الوضع الجزائري ومع أوضاعنا في لبنان، جملة من الملاحظات نذكر منها: وحدة الشعب الجزائري وصلابته في تصدّيه للأوضاع الغريبة العجيبة التي سادت قمة الحكم فيه حيث يكاد أن يكون الحاكم شبحا تتحكم به جملة من الأشباح. هذا الشعب أثبت أن وحدة الكلمة والموقف والتصور الوطني الشامل، قادرة على الإلتقاء وعلى الحركة الدائبة والفاعلة وعلى اجتراع المعجزات التي إن لم تتحقق اليوم، فهي ستتحقق غدا طالما وحدة الشعب وتآلفه قائمان متوهجان، الأمر الذي يذكرنا كيف أن الشعب اللبناني الذي لا يقل احتقانا على أوضاعه السيئة القائمة، هو شعب مبعثر إلى جملة من «الشعوب» المتناقضة والمتناهضة، بحيث أصبح دولتين. الدويلة فيه هي التي باتت تمسك بالبلاد وقراراتها وتوجهاتها وتفرضها على الناس وعلى جملة «الشعوب» القائمة التي سبق أن توحدت يوما في إطار ما سمّي بالرابع عشر من آذار، فإذا بالمصالح والاستكانات المختلفة تلقى بها في أتون التراجع والاستسلام لإرادة الدويلة التي تجاوزت بسلاحها وباحتياجها لأكثر من بقعة مجاورة، من دول المنطقة، كل حدود وأصول الدول، واضعة الوطن في موقع الأخطار الشديدة التي تكاد أن تهدد وجوده نفسه بالاستمرار والبقاء، وفي الوقت نفسه هي أفسدت الوجود الوطني باختلاق ما أمكنها من الإشكالات والتناقضات التي شلّت حركته إلى حدود بعيدة، وإذا كان الوضع الجزائري قد استمر محكوما من أشباح خفية، فإن الوضع اللبناني هو اليوم، محكوم بما هو ملموس ومعلوم من أوضاع شاذة، تطبق على البلاد بوتيرة متصاعدة، باتت تتطلب حلا وطنيا شاملا أكثر من أي وقت مضى.

هل ننصح الشعب اللبناني بوحدة شعبية ووطنية متماسكة كتلك التي نشهد مثيلا لها في هذه الأيام في الجزائر الشقيقة؟ هل هذا ممكن وطوائفنا قد تحولت إلى شعوب ترعاها مصالح ذاتية وترى فيها أنها الهدف والغاية وأن إنقاذ الوطن وخلاصه من الأحوال التي تجابهه تشكل أمرا ثانويا لا يستحق الرعاية والحماية ولا يستأهل النضال الشرس لتجاوز مهاويه القاتولية. إنه الواقع المؤلم الذي نعيشه ويا ليتنا بهذا الصدد الحيوي نستطيع أن نتشبه بالوضعية الجزائرية، التي أثبتت قولا وفعلا أن الشعب إذا قرر وأراد، فلا بد أن يستجيب القدر، وأن يتغلب على كل القوى المشاكسة والمعاكسة.