Site icon IMLebanon

بين الحرب… واللاحرب

 

يبدأ اليوم سريان العقوبات القاضية بمنع إيران من تصدير نفطها عبر مضيق هرمز وغيره، وسط تكهنات وتوقعات، بل سيناريوهات، متعددة عمّا ستثيره هذه العقوبات من ردود فعل إيرانية وإقليمية ودولية من شأنها أن تضع لبنان والمنطقة والعالم أمام احتمالات شتّى خطيرة لا يمكن التكهّن حول طبيعتها.

 

إزاء هذا المشهد الخطير، ينقسم متابعوه من اهل السياسة والديبلوماسية ومواقع المسؤولية الى فريقين، لكلّ منهما نظرته المختلفة عن الآخر الى التطورات الجارية وما تنطوي عليه من أبعاد وخلفيات.

 

الفريق الاول يتوقع ان تشهد المنطقة حرباً ضروساً يستدلّ اليها من الاساطيل الروسية والاميركية والفرنسية والصينية التي احتشدت خلال الايام الاخيرة بنحو لافت في البحر الابيض المتوسط، وكذلك في منطقة الخليج العربي. الاميركيون دفعوا قبل يومين بحاملتي طائرات جديدتين الى المتوسط ومعهما طائرات «الشبح المتطورة «إف35»، وكذلك دفع الفرنسيون بالحاملة شارل ديغول، وأيضاً الصين التي دفعت بحاملة الطائرات الوحيدة التي تمتلكها، فضلاً عن الاسطول الروسي الذي تعزّز بطائرات «سوخوي 57» المتطورة إضافة الى منظومتي صواريخ «إس -400» و»اس 600» التي تم نشر بطارياتمها براً وبحراً. ويضاف الى كل هذه الاساطيل الغواصات النووية وغير النووية التي دخلت ايضاً الى مياه المتوسط والخليج.

 

ويرى هذا الفريق في هذه التحركات ما يجعل المنطقة وكأنها تقف على برميل من البارود الذي يمكن ان ينفجر في اي لحظة. وإذ يستذكر الفريق نفسه في هذا السياق قولاً لبسمارك من أنه «عندما تنتشر الاساطيل في البحار نكون قد بلغنا نصف الطريق الى الحرب». يذهب الى وصف الوضع السائد في المنطقة بأنه أشبه بالوضع الذي ساد في اوروبا والعالم عشيّة اندلاع الحرب العالمية الأولى في تموز عام 1914، إذ لا ينقص هذه الحرب حتى تنشب سوى مقتل فرنسوا فرديناند آخر كالأرشيدوق النمساوي فرنسوا فرديناند وريث الإمبراطورية النمساوية الذي اغتيل في سراييفو على يد أحد الصربيين، ما أدى إلى نشوب الحرب العالمية الأولى بكل دمويّتها. فالوضع من مضيق هرمز في الخليج العربي الى البحر الابيض المتوسط متأهّب لاحتمالات كثيرة، خصوصاً أنّ الجانب الإيراني كان ردّ على العقوبات النفطية الاميركية بأنه اذا لم يسمح له بتصدير نفطه فإنه لن يكون مسموحاً لأحد غيره بالتصدير، وطبعاً يتضمن هذا الموقف تهديداً بإغلاق مضيق هرمز الذي يعبر منه كل النفط الخليجي يومياً وعلى مدار الساعة تقريباً الى العالم.

 

كذلك يستدلّ المتخوفون الى الحرب من خلال تتبعهم للتطورات المتلاحقة منذ سنوات الى الآن، والتي بدأت بالانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي بين مجموعة «الدول الست» وبين ايران، وذلك بعد وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض، وكان هذا الانسحاب أحد بنود برنامجه الإنتخابي، ثم إعلانه القدس «عاصمة أبدية» لإسرائيل ناقلاً مقر السفارة الاميركية من تل ابيب إليها، وكذلك إعلانه «السيادة الاسرائيلية» على الجولان السوري المحتل، وإلغاء الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الروسي، وقبل كل ذلك العقوبات المتلاحقة على ايران منذ الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي معها والتي كان آخرها عقوبة منع تصدير النفط الايراني التي يبدأ سريانها اليوم.

 

وفي هذا السياق، يرى الفريق نفسه أنّ ايران الثورة لن تقبل بأي شكل من الأشكال بمنعها من تصدير نفطها، وبالتالي لن تقبل بتجويع شعبها ودفعه الى الثورة على نظامه، ولذلك لن تجد غضاضة في شَن حرب لفك الحصار عنها، والبداية قد تكون إقفال مضيق هرمز ومنع الدول الأخرى تصدير أي نفط منه، الأمر الذي قد يتسبّب بحرب بين طهران وحلفائها من جهة وبين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من جهة ثانية، ومن شأن هذه الحرب أن تُشعل المنطقة بكاملها.

 

وفي هذه الاثناء، فإنّ إسرائيل، المتحمسة جداً ودوماً لشَن الحرب على ايران، تبدو كامنة ومتربّصة للمشاركة في اي هجمات مباشرة او غير مباشرة على ايران وحلفائها وعلى رأسهم «حزب الله» في لبنان وسوريا، وذلك في حال استطاعت الى ذلك سبيلاً.

 

الّا أنّ الفريق الآخر يستبعد نشوب الحرب في لبنان والمنطقة، أقله هذه السنة، ويقول دُعاته ان «لا حروب متوقّع نشوبها من الآن وحتى السنة المقبلة، لا اسرائيل في وارد شَن حرب ولا الولايات المتحدة الاميركية. فترامب لا تفيده اي حرب يشنّها الآن على ايران انتخابياً للفوز بولاية ثانية لأنّ موعد الانتخابات هو خريف 2020، ولكنه ربما يلجأ اليها في حينه اذا وجد فيها مصلحة انتخابية.

 

ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي فاز في انتخابات الكنيست الاخيرة بدعم ترامب، يمكن ان يحاول رد «الجميل» بعمل يدعم ترامب انتخابياً ولكن في حينه ايضاً، ولكن ربما يكون هدف واشنطن وتل ابيب المفضّل الذي تعتقدان انه ربما يخدم ترامب انتخابياً هو السعي لإمرار «صفقة القرن» التي تسعيان اليها لإيجاد تسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل، ولكن هذه الصفقة لم تحظ حتى الآن بالتأييد الشامل لا فلسطينياً ولا عربياً ولا حتى دولياً.

 

وفي اعتقاد الفريق نفسه انّ العقوبات النفطية الاميركية ضد ايران لن تحقق الاهداف التي تطمح اليها الولايات المتحدة وحلفائها من إضعاف او تقويض للدور والنفوذ الايرانيين في المنطقة، لأنهم لن يستطيعوا لجم الدول التي تستورد النفط الايراني، وعلى رأسها الصين، اذ لا يمكن لواشنطن ان تمنع بكين من استيراد هذا النفط عبر مضيق هرمز لأنّ ذلك قد يتسبّب بأزمة كبيرة بين دولتين عظميين دائمتي العضوية في مجلس الامن الدولي.

 

وأكثر من ذلك، يذهب مستبعدو الحرب الى القول انّ الاسرائيلي بات مثل الغربي لا يريد الموت او الاختباء في الملاجئ لأيام واسابيع للاحتماء من القصف، خصوصاً انّ أي حرب هذه المرة في حال نشوبها على الجبهة اللبنانية على الاقل ستطاول خلالها صواريخ «حزب الله» كل مساحة الأراضي الفلسطينية المحتلّة، نظراً لِما بات يمتلكه الحزب من ترسانة صاروخية متطورة وبعيدة المدى، بعدما كان مدى صواريخه في حرب 2006 قد اقتصر على شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة ولامَس وسطها بعض الشيء.

 

في أي حال، إنّ التطورات التي ستشهدها المنطقة من اليوم مع سريان عقوبة منع تصدير النفط الايراني، ستكون المؤشر على ما سيكون عليه مستقبل الاوضاع في لبنان والمنطقة في قابل الايام.