IMLebanon

كردستان بين الحرب والسلام!

 

مرّ الاستفتاء حول استقلال كردستان عن العراق بسلام. فوز «نعم» بنسبة كبيرة مؤكدة. هذا النجاح «هو نصف القضية». بعد 26 أيلول، تدخل كردستان – العراق ومعها المنطقة، في حالة أخرى، لا يمكن تحديد أحداثها ولا مساراتها ولا نتائجها. ليس هذا الغموض والتعقيد بفعل الاستفتاء وحده، وإنما أيضاً بسبب الوضع الخاص للمنطقة من جهة، ومن جهة أخرى لأنّ الوضع الكردي العام يُشكّل «بيت العنكبوت» الذي يغطي مدخل المغارة التي لا يعرف أحد ماذا تخفي!

بدايةً، للشعب الكردي الممزّق ظلماً على أربع دول قوية ومركزية، الحق في تقرير المصير، لكن ترتيبات القرن الماضي جعلت أي محاولة منه للمطالبة باستقلاله أو تقرير مصيره «خيانة كبرى»، لأنها تعني تمزيق الدول الأربع الوازنة في المنطقة. أيضاً، إن القرن الماضي، كان مع مسار الوحدة والتوحيد، وليس التقسيم وقيام كيانات صغيرة مهما كانت المطالب القومية شرعية. القرن الحالي يشهد منذ ولادته تبلور مطالب الانفصال والتقسيم وقيام كيانات صغيرة. تمزيق يوغوسلافيا، شكّل بداية لا يمكن إلغاؤها. ما هو جائز للصرب والكروات… أصبح جائزاً، وواجباً لغيرهم. الاستفتاء حول استقلال كتالونيا في إسبانيا بعد أيام، فعل شعبي لا يمكن ردّه ولا قمعه.

السؤال الطبيعي والضروري: لماذا لا تهدد إسبانيا بالحرب، ولا الاتحاد الأوروبي بالحصار ضد كتالونيا متى نفّذ الكتالونيون الاستفتاء حول انفصالهم عن إسبانيا وفازت النعم، بينما تكاد التهديدات

ضد كردستان – العراق تصل إلى حدّ قرع طبول الحرب وفرض حصار برّي وجوّي، لتحقيق التراجع مع أنه بعد إعلان فوز «نعم» يصبح السقف التنازلي الكردي إعلان مسعود البارزاني تأجيل تنفيذ الاستقلال والبدء بالتفاوض مع بغداد لتحسين شروط الفيدرالية؟

رغم طبول الحرب التركية والإيرانية وحتى السورية فإن الحرب لن تشتعل. إحباط «المؤامرة الصهيونية» التي أعلنها الجنرال رحيم صفوي، ترك أمر مهمتها معلّقاً على «همة كل الدول» وليس «الحرس الثوري» الذي كان قائده.

الطريف والعجيب أنّ طهران «أوقفت جميع الرحلات باتجاه مطارَي السليمانية وأربيل والرحلات العابرة انطلاقاً من كردستان» بناءً لطلب عراقي وليس بمبادرة منها، ما يعني أنّ عودة طهران عن قرارها، تتطلب عودة بغداد عن طلبها. أكثر من ذلك أن إيران، وضعت كل ثقل الوضع وتطوراته على أكتاف العراق وتركيا.

لا شك أن العراق وتركيا يتقدمان على إيران بالتضرر من قيام دولة في كردستان محاذية لهما. لكن هذا لا يعني أن حمولة إيران من أعباء الانفصال ليست كبيرة وخطيرة. فإذا كانت تركيا وقبلها العراق ستتضرّر كل منهما فوراً، فإن القلق الإيراني المستقبلي لا يقلّ خطراً ولا يخفّف من مسؤوليتها.

التباكي والتهديدات لا تعفي أي دولة من الدول الأربع من المسؤولية الضخمة لوصول الأكراد إلى الاستفتاء على الاستقلال.

في تركيا، الحرب مستمرة. تشهد هدُناً لكنها لا تنتهي ولا يقوم أي حل. لا شك أن رجب طيب أردوغان أعطى الأكراد حقوقاً كانت ممنوعة عنهم لكن ذلك لا يكفي. أما في إيران فالمسؤولية أكبر بكثير، فمنذ الشاه مروراً بالثورة وصولاً الى المرشد آية الله علي خامنئي، ما زال الأكراد يعاملون وكأنهم كتلة شعبية إضافية وليسوا جزءاً كاملاً ومتكاملاً، له الحقوق كما عليه الواجبات. فلا وزير كردياً، ولا جنرال كردياً، ولا حتى سفيراً كردياً (مؤخراً وبعد جهاد طويل من جانب الرئيس حسن روحاني جرى تعيين مثقف كردي سفيراً لإيران). القلق الإيراني، أن يستعيد أكراد إيران، رغم عددهم المحدود (خمسة ملايين أو أكثر بقليل) نشاطهم الانفصالي خصوصاً أنهم حلقة أساسية من «حزام الأقليات» الذي يزنّر إيران. انفجار أي حلقة على أساس قومي – مذهبي يقذف بـ«كرة النار» الى قلب إيران. لذلك وفي محاولة لتطويق ردود الفعل الداخلية، جرى ربط الاستفتاء في كردستان – العراق، بـ«المؤامرة الصهيونية» لتشريع مخاصمتها شعبياً ومحاربتها في عملية مدروسة لتحذير أكراد إيران وربط ردود فعلهم القومية بالسقوط في «شباك الصهيونية».

وحدة العراق مهدّدة. هذا صحيح. لكن ليس الأكراد وحدهم المسؤولين عن كسر هذه الوحدة. من دون العودة الى «المرحلة الصدامية»، فإن الحكومات التي تعاقبت بعد الغزو الأميركي عام 2003، «أجرمت» بحق العراق أكثر بكثير من الأميركيين و«داعش». الفساد والسرقات والنهب وتوسيع مستنقعات المذهبية كلها ضربت وحدة العراق.

بعيداً عن التضخيم وطبول الحرب، فإن المنطقة بعد 26 أيلول، وتحديداً كردستان – العراق ستتعرض لتحديات جادّة وخطيرة. كردستان الوليدة كدولة عاجلاً أو آجلاً بمحاذاة العراق أو ما تبقّى منه وإيران وتركيا، ستكون دولة ضعيفة أمنياً واقتصادياً. وقد تصبح مساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية، خصوصاً أن الحليف الوحيد لها سيكون إسرائيل. وجود إسرائيل ليس سراً في كردستان وفي أجهزة الأمن.

الكلام عن قيام إسرائيل ثانية لا يحل شيئاً بل «يزيد الطين بلّة»، لأن العزل يؤدي إلى الاستجارة بالشيطان، فكيف بالحصار والتجويع؟

حان الوقت لوقفة مع العقل من الطرفين الكردي والقوى الإقليمية المتضررة وأولها العراق. التخوين والعزل لن ينتجا سوى الانحدار نحو العداء الكامل والشامل. مِصر والسعودية مؤهّلتان أكثر من غيرهما للعب دور إيجابي، خصوصاً أن ضعف تركيا وإيران، يقوّيهما ويساعدهما على لعب دور بنّاء يقوم على مبدأ «خذ وأعطِ».

العودة إلى الوراء مستحيلة. التعامل مع المستقبل بهدوء ورجاحة عقل وتعقل يؤسس لبناء المنطقة من جديد. إسرائيل تملك العلاقة التاريخية مع آل البارزاني للتوسع وتقوية وجودها، خصوصاً أن هذا الوجود إذا ما ركبت إيران رأسها وتابعت تخوين الأكراد والبارزاني، يضع إسرائيل سراً وعلانيةً على حدودها تماماً، كما هي موجودة اليوم على الحدود في سوريا.

هذا التحوّل الجيوستراتيجي يفرض سؤالاً مشروعاً: كيف ستواجه إيران هذه «الإسرائيل – الثانية»، بجيوشها أم بالميليشيات الشيعية التي أنشأتها من أجل بناء «الهلال الشيعي»؟!