اخذت المفاوضات اليمنية ـ اليمنية التي تستضيفها الكويت عطلة. لكن الكويت ليست في عطلة نظرا الى انّه عليها ان تكون متأهبة دائما في مواجهة التطرّف بكل انواعه. تمثّل التحدي الأخير امام الكويت في كشف خلايا لـ«داعش« كانت تعد لعمليات إرهابية في البلد.
سيعود اليمنيون الى طاولة المفاوضات برعاية من الامم المتحدة بعد عيد الفطر وذلك من اجل محاولة أخيرة للبحث عن صيغة للتفاهم تحمي البلد من مزيد من الحروب والدمار والفقر والجوع.
هل في استطاعة المتفاوضين في الكويت اتخاذ قرارات كبيرة؟ الأرجح انّ ليس في استطاعتهم ذلك، هل سيكون المسؤولون قادرين على اتخاذ قرارات ذات طابع مصيري من نوع تلك التي اتخذت في نهاية الحرب الاهلية التي استمرّت نحو خمس سنوات، تلك الحرب التي تلت قلب النظام الامامي، على يد مجموعة من الضباط، في السادس والعشرين من أيلول ـ سبتمبر 1962.
تبذل الكويت كلّ ما تستطيع من اجل تمكين اليمنيين من الوصول الى مخارج. جولة المفاوضات المقبلة ستكون في غاية الاهمّية نظرا الى ان المتفاوضين يعرفون ان مدّة هذه الجولة ستكون أسبوعين فقط. هذا يعني ان لا عودة الى المفاوضات من دون سقف زمني. تضع مهلة الأسبوعين اليمنيين امام مسؤولياتهم. لم يعد سرّا ان استياء اهل صنعاء من ممارسات الحوثيين (انصار الله) تزداد كلّ يوم وذلك في وقت صار سعر الدولار نحو ثلاثمئة ريال يمني… وفي وقت لم يعد الحوثيون يجدون عيبا في نهب مؤسسات الدولة وتعيين موظفين لهم في الإدارات من دون حسيب او رقيب. هل ستساعد الضغوط التي يمارسها المواطن العادي على الحوثيين في جعلهم يقبلون تقديم التنازلات المطلوبة، ام يستمرون في ضرب الحائط بمشاعر الناس وطموحهم في العودة الى العيش في بلد طبيعي وليس في مستعمرة إيرانية!
هناك جانبان للمفاوضات اليمنية ـ اليمنية التي يشرف عليها إسماعيل ولد الشيخ احمد المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الذي يبدو اكثر من أي وقت انّ التعقيدات اليمنية تجاوزته، خصوصا في ظل توازن القوى القائم الذي فرضته «عاصفة الحزم«. كسرت عملية «عاصفة الحزم« ظهر المشروع الايراني في اليمن واستطاعت تحرير مناطق واسعة من سيطرة «انصار الله«، بما في ذلك مدينة عدن والجزء الأكبر من المحافظات الجنوبية والوسطى، فيما لا يزال وضع تعز، وهي من اهمّ المدن اليمنية، عالقا. لكنّ المشكلة تكمن في ان «الشرعية« لم تستطع حتّى الآن ملء الفراغ الذي خلّفه انسحاب القوات التابعة للحوثيين وللرئيس السابق علي عبدالله صالح من مناطق معيّنة.
الجانب الاوّل للمفاوضات يمني بحت، فيما الجانب الآخر مرتبط بالكويت نفسها والجهود والتضحيات التي تقوم بها من اجل إنجاح المفاوضات.
في الواقع، لم يكن في استطاعة الكويت توفير مثل هذه الجهود والتضحيات، لولا امير الدولة الشيخ صباح الأحمد الذي عرف كيف يقود سفينة بلاده الى شاطئ الأمان. هذه القيادة التي يمارسها صُباح الأحمد امّنت الأجواء التي يمكن ان تساعد في تحقيق تقدّم في اليمن في حال استوعبت الأطراف المعنية بالازمة ان ما على المحكّ هو مصير البلد ومستقبله. لم يعد من خوف على اليمن من الصوملة، أي من ان يصير صومال آخر. صار الخوف من مرحلة ما بعد الصوملة بعد الأرقام المخيفة التي نشرتها المنظمات الدولية عن معاناة اليمنيين من الفقر وغياب التعليم… ومن سوء التغذية الذي يطاول الأطفال.
تبذل الكويت اقصى جهودها لانجاح المفاوضات اليمنية ـ اليمنية. تستطيع ذلك لانّ هناك حارسا على مصالحها اسمه صُباح الأحمد الذي لا يترك مناسبة الّا ويذكر مواطنيه بالمخاطر المحدقة بالبلد والمنطقة المحيطة به.
جاءت الاحداث الخيرة، بما في ذلك الإعلان عن كشف الخلايا الإرهابية لـ«داعش« يوم الاحد الواقع فيه الثالث من تموز ـ يوليو 2016، ليؤكد كم امير دولة الكويت على حق في دعوة مواطنيه الى الحذر والى تجنب كلّ ما يمكن اثارة الفتن. ففي كلمته الأخيرة في مناسبة العشر الاواخر من رمضان حرص على ابداء اسفه «لما نشاهده ونعايشه من إساءة لاستخدام أدوات التواصل الاجتماعي التي اتخذها البعض أداة للتسلية ومعول للهدم عبر نشر المقالات والتغريدات المغرضة المسيئة للوطن والمشكّكة بالنيات والذمم والمليئة بالتهم جزافا دونما دليل، فاشاع بذلك روح البغضاء والكراهية وأصبحت المحاكم تعجّ بالقضايا المرفوعة جراء ذلك«.
كانت كلمة امير الكويت في مكانها. أظهرت انه يتابع كلّ شاردة وواردة، بما في ذلك أدوات التواصل الاجتماعي وخطورتها. من الواضح انّ همّه محصور في جعل الكويتيين يعملون من اجل «توحيد الكلمة والتكاتف والتآزر والتمسك بالوحدة الوطنية، فهي الظل الوارف والسياج المنيع لدرء المخاطر عن وطننا وسلامته«.
لم ينس تذكير الكويتيين بحادث التفجير الإرهابي الذي استهدف مسجد الامام الصادق، وهو مسجد شيعي، العام الماضي وبانّهم اظهروا روحا تعبّر عن «التمسّك بالوحدة الوطنية«.
لم يأت الاستقرار الكويتي الذي سمح باستضافة المفاوضات اليمنية ـ اليمنية من فراغ. في أساس هذا الاستقرار جهود دؤوبة لصُباح الأحمد أدت الى حياة برلمانية طبيعية بعيدا عن المزايدات والى تعاون ذي طابع ايجابي بين الحكومة ومجلس الامّة المنتخب في العام 2013 والذي بات مرجحا ان يكمل ولايته حتى يومها الأخير.
ليس ما يضمن نجاح المفوضات بين اليمنيين. الامر الوحيد المضمون هو ان الكويت تعمل من اجل الدفع الى درء المخاطر عن اليمن في ظروف في غاية الخطورة. فعلاقة الكويت ياليمن قديمة جدّا وهي توسّطت في الستينات من اجل اخراج مصر من ورطتها عندما أرسلت جيشها للقتال ضد «الملكيين«، أي انصار الامام المخلوع الذين كانوا يتحصنون في المناطق التي تعتبر حاليا معاقل الحوثيين. حاولت الكويت وقتذاك، أي قبل اكثر من نصف قرن، انقاذ مصر وسحب جيش مصر من الرمال المتحركة اليمنية لا اكثر. لم يكن الشيخ صُباح بعيدا عن تلك الجهود.
متى عرضنا التطورات التي شهدها اليمن في نصف قرن، نكتشف كم تغيّر البلد وكم تغيّرت طبيعة التحالفات فيه، خصوصا بعد دخول ايران على خط الحوثيين. ما لم يتغيّر هو الكويت التي لا تزال وسيطا نزيها في ظلّ قائد السفينة الذي اسمه صُباح الأحمد.