ما يُسمّى «الإعلان الدستوري» الذي توّج سيطرة إيران (العابرة) بواسطة الانقلابيين الحوثيين على اليمن (السعيد!)، جعل كثيرين في بيروت يفترضون أن لبنان بألف خير! طالما أن السعي الى تعبئة الفراغ الرئاسي، لا يزال يدور في مستقر الحوار والسياسة والموفدين الأجانب.
نعمة من ربّ العالمين، أن جماعة إيران عندنا اكتفت بجسّ النبض، ولم تربطه كالحوثيين، على قياس دقّات مشروعها السياسي: جربت حديث «المؤتمر التأسيسي» علناً، وأحاديث التعديلات الدستورية خلف الأبواب المغلقة والجدران الصمّاء. ثم جرّبت تسويق مرشحها الأحادي على أنه ثنائي وسطي لها ولغيرها.. ثم عندما بارت بضاعتها في الأرض، ركنت هانئة عند اعتماد تعطيل النصاب البرلماني (الدستوري) ولا تزال.
وحتى الآن، إيران رابحة ولبنان خاسر: كل من أراد الحديث عن ملء الفراغ الرئاسي صار عليه أن يتوجه إليها مباشرة بعد سنوات من الضنى على طريق قصر المهاجرين في دمشق. وتلك قفزة جبارة: كان الحديث معها سابقاً يتصل بالشأن اللاشرعي المتمثل بـ»حزب الله»، أو بالأحرى بسلاحه وممارساته وأدواره وخصوصاً إزاء اسرائيل. اليوم، تطورت مفردات الحكي ووصلت الى الشأن الشرعي المتصل بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية!
ولو كنت إيرانيًّا لوجّهت برقية شكر عاجلة الى الثورة السورية وأربابها! لولاها ولولاهم لما تحطّم نظام المافيا الفئوي وآلت مكانته التقريرية في لبنان الى إيران! ولَبَقي شأن بلدنا، من أصغر موظف الى رئيس البلاد، شأناً خاصًّا بذلك النظام، ولبقي لإيران صيت المشاكل، صناعتها وتوليدها، ثم لعب دور المساهم في إطفائها!
قطفت إيران في لبنان أولى ثمار الثورة السورية. ولا بأس عند أهل قرارها ومشروعها، أن يدفع شعب سوريا تلك الأكلاف الباهظة ثمناً لتلك الثمرة! ولا أن يدفع اللبنانيون أثماناً مماثلة. سواء بالفراغ الرئاسي، أو بتنمية معطى الازدواجية التي تلغي أحادية الدولة والسلطة الشرعية، أو بتوريطهم في نكبة سوريا التي تحمل كل مقومات البنى التأسيسية للتأريخ مع ما يعنيه ذلك من حسابات مستقبلية قاتمة.. أو في اعتمادهم صندوق بريد، لتوجيه رسائل وتلقي الردود عليها.
ولكثيرين أن يفترضوا أن المقارنة بين إيران في اليمن وإيران في لبنان هي لمصلحة لبنان! لكن لكثيرين غيرهم، أن يفترضوا ان المشروع واحد. ولو أمكن أصحابه أن يفعلوا عندنا ما فعلوه عند غيرنا، لما ترددوا لحظة واحدة!
تحت هذا السقف، يصبح تقديم التحيّة للتنوع اللبناني واجباً مقدساً! ويصبح استذكار تاريخ 14 شباط 2005 فعل مقاومة بعد أن أرادوه فعل فرض واستسلام ورضوخ وإذعان!