«كامب ديفيد» في الذاكرة الجماعية العربية عنوان واحد لتوصيفين متناقضين. واحد يرى في صورة الرئيس المصري الراحل أنور السادات الى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل (حتى ذلك الحين) مناحيم بيغن، في العام 1978، خيانة موصوفة لا استئناف فيها. وآخر مناقض يرى في ذلك، قمّة الواقعية السياسية التي فرضت منطقها السلمي على حساب المنطق الناري بكل أدبياته.
لكنه في الحالتين عنوان دلّ على معطى واحد هو دخول النزاع العربي الإسرائيلي في مسار استراتيجي مناقض لما سبقه تماماً وأوصل في إحدى أبرز محطاته الى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ثم الى اتفاق أوسلو في العام 1993، ولا يزال مستمراً.
الخيط العريض الجامع بين محطات ذلك المسار هو استبدال شعار الأرض في مقابل السلام باللاءات الثلاث التي وضعتها قمة الخرطوم بعد نكبة 1967 والتي قضت باعتماد ثلاثية الرفض: لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف.
في الذاكرة الجماعية العربية تلك أيضاً، أن (مؤتمر) كامب ديفيد في نتائجه كان ولاّد هيجان عربي عربي لا سابق له منذ النكبة الأولى في العام 1948.. هيجان سياسي أفرز قرارات كبيرة أبرزها «عزل» مصر ومقاطعتها. وهيجان ميداني امتدت تفاصيله من الإرهاب المتنقل على مساحة واسعة، الى لبنان حيث انهارت التسوية التي أوقفت حرب السنتين، وفتحت الباب على وسعه أمام حروب وويلات ونكبات لم تضع أوزارها سوى مع اتفاق الطائف.
«كامب ديفيد» اليوم، لا يقل تاريخية واستراتيجية عن سابقه، وإن كان يدل على عكس الأول: ذاك أنتج حالة سلمية ملتبسة مع إسرائيل وقسّم العرب، فيما يُنتج هذا حالة مواجهة دفاعية اضطرارية مع إيران لكنه يوحد العرب وأكثرية المسلمين.. الأول انطلق من حالة عجز (صحيحة أو مفتعلة، بحث آخر) الثاني (الراهن) ينطلق من حالة مناقضة تماماً، حيث ولّدت «عاصفة الحزم» شعوراً بالقوة والبأس يُعتدّ به، وفجرت يقظة لا مثيل لها إزاء التحديات والأخطار والكوارث التي تسبّبها السياسات الإيرانية الجموحة، والضرورة الحاسمة والحازمة لمواجهتها ولجمها ووضع حدّ لها، وأينما كان.
لم تذهب دول الخليج العربي الى «كامب ديفيد» من موقع ضعف بل من موقع قوة. ولم تذهب لتتوسل موقفاً أميركياً حمائياً، بل لتلجم أي خطأ في الحسابات الأوبامية في مقارباتها الإيرانية إزاء الشأنين المتعلقين بالمشروع النووي والدور الإقليمي.. وذلك في كل حال، جزء لا ينفصل من أجندة تضم اليمن وسوريا وما بينهما.
في الإجمال، «كامب ديفيد» اليوم كما كان بالأمس، عنوان لمنعطفات تاريخية تطال دولاً وشعوباً ومصائر.