إذا كانت الحكومة، تعتقد انها نجحت بعد جهد جهيد في إقرار موازنة، بعد أكثر من عشر سنوات من العجز أدى إلى عدم انتظام الدولة، إلى تراكمات مختلفة من اهدار المال العام وتوزيعه إلى السلطات التي وضعت أيديها على البلد وإلى ارتفاع المديونية إلى ما يقارب المائة مليار دولار من دون حسيب ولا رقيب ولا مساءلة حتى وصلت الدولة إلى ما وصلت إليه اليوم من عجز في الموازنة وصل إلى الحدود القصوى أي إلى أكثر من 11 بالمئة، وهو اعلى عجز في العالم، وإلى وضع الدولة على حافة الإفلاس كما كان يقول رئيس هذه الحكومة استناداً إلى تقارير كبار الخبراء والصناديق الدولية.
تقول الحكومة ان كل هذا صحيح لكن ما نجحت في تحقيقه هو انها خفضت في أوّل موازنة توضع بعد عشر سنوات نسبة العجز في الخزينة إلى سبعة ونصف بالمئة بعد ان كان في حدود الاثني عشر في المئة وهو معدل مقبول قياساً على ما كان عليه الوضع في السابق، ويعيد الثقة الدولية بانتظام الدولة والمؤسسات فيه، الأمر الذي بدأ يتردد في الأوساط الدولية على مسامع اللبنانيين مسؤولين ومعنيين وغير مسؤولين، واستعادة الثقة الدولية بالاستقرار اللبناني وانتظام الدولة يُساعد بقوة على الحصول على المساعدات الدولية التي أقرّت في مؤتمر «سيدر» الذي انعقد أواخر العام الماضي في باريس والبالغة 11 مليار دولار أميركي كدفعة أولى لإعادة بناء بناه التحتية ما من شأنه ان يحرك العجلة الاقتصادية والنمو في البلد ويمتص البطالة المتفشية على نطاق واسع والتي تجاوزت الحدود المقبولة دولياً لأية دولة في أي منطقة من العالم.
ما تقوله الدولة على لسان المسؤولين صحيح وتشكر عليه، لأننا نعتبر ان مجرّد وضع موازنة للدولة العلية تنفق على أساسها وتسد مزاريب الهدر في كل مكان من جهة، وتحد أيضاً من تمادي العجز في الموازنة كما هو الحال السائد حتى الآن يعتبر نجاحاً لأنه أنقذ الدولة من الإفلاس وانقذ الشعب اللبناني من ذلك المصير المحتوم إلا ان الحكومة ارتكبت خطأ جسيماً في اقتطاع المخصصات المالية لتسليح الجيش اللبناني المسؤول الأوّل والأخير عن حماية الدولة والوطن من دون أي مبرر مشروع مما اثار ليس استهجان اللبنانيين بل كل دول العالم لأن هذه الدولة تبني قبل أي أمر سياستها الدفاعية والأمنية التي تتولاها المؤسسة العسكرية، ويحرص بالتالي على عدم المس بهذه المخصصات لأنها تكون بذلك قد مست بالسيادة الوطنية الموكل إلى المؤسسة العسكرية حمايتها والدفاع عنها والسهر عليها ليل نهار، ومهما وضعت الحكومة العلية من مبررات على الطاولة لاتخاذها قبل هذا القرار فإنها لا تستطيع بأي حال من الأحوال ان تجد التبرير المقنع ولا ان تسقط من حسابها ما يُمكن ان يتأتى عن مثل هذا الاجراء من انعكاسات سلبية على أمن البلد واستقراره، وإذا كان مجلس النواب الممثل في الحكومة ما زال قادراً على التصدّي لهذا الخطأ الجسيم الذي ارتكبته الحكومة وإعادة النظر في القرار الذي اتخذته الحكومة بما يُعيد لموازنة الجيش المخصصات العائدة للتسليح من إعادة النظر في التدبير رقم 3 الساري المفعول بالتعاون مع قيادة الجيش لجهة تنظيمه وتفعيله وليس لجهة الغائه أو الاستعاضة عنه بمقاصصة المؤسسة العسكرية المسؤولة عن حماية الأمن الداخلي وحماية السيادة والاستقلال.