Site icon IMLebanon

حذار… “غرور القُدرة” و”نشوة الانتصار”!

تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسها مؤهّلة أكثر من غيرها لـ”قيادة” المنطقة بالتعاون مع دُولها لأسباب عدة منها، أنها الدولة الوحيدة في العالم الثالث التي لا تعتمد على دولة عظمى لحمايتها والدفاع عن مصالحها، وتالياً لا يُمكن أن تكون “أداة” أو “حليفاً” صغيراً يستعمل في الحروب بالواسطة التي تنشب بين الكبار في العالم أو عند حماية مصالح هؤلاء. ومنها أيضاً نجاحها منذ تأسيسها في بناء قوة عسكرية تقليدية مهمة، وفي إنشاء ديموقراطية وإن جزئية بسبب اقتصارها على أنصار النظام الإسلامي من الإيرانيين. ومنها ثالثاً تنفيذها خططاً اقتصادية وبرامج اجتماعية وتحديثها بنى تحتية مدنية. وأهمية هذا النجاح في رأيها أنه تحقَّق في ظروف صعبة جداً كانت أولاها غزو عراق صدام حسين أراضيها بعد سنة أو أقل من قيامها، سواء كانت خطوته رداً على استفزازاتها أو تنفيذاً لخطة اقليمية ذات بُعد دولي. واستمرار هذه الحرب ثماني سنوات. وكانت ثانيتها العقوبات الأممية والأميركية والاوروبية والحصار الدولي الذي مورس عليها. وكانت ثالثتها الانخفاض الكبير في أسعار النفط. أما رابعتها وآخرها فكان “الربيع العربي” الذي أطلق حروباً في دول عدة في المنطقة، بعضها كان جزءاً من الهلال الاقليمي الذي كانت نجحت في تأسيسه، وبعضها الآخر كان قريباً من حدودها مثل اليمن.

لذلك كله تؤكد القيادات البارزة في طهران وفي مقدمها المرشد والولي الفقيه السيد خامنئي أن الاتفاق النووي الذي وقعته بلادهم مع المجموعة الدولية 5 + 1 لن يكون ممراً لبدء محادثات مع اميركا حول القضايا الخلافية في المنطقة، وحول النظام الاقليمي الذي يجب ان يحل مكان النظام الذي سادها قرابة مئة سنة، بعدما تسبَّب “الربيع” المذكور أعلاه في انهياره. وتؤكّد أيضاً عدم تنازلها عن مشروعها الاقليمي أو عن دورها الاول في الشرق الأوسط إلى أدوار الدول الكبرى الاخرى فيه، بدليل استمرارها في الصراع أو بالأحرى الحرب الدائرة بالواسطة حالياً وربما المباشرة لاحقاً بينها وبين السعودية.

هل هذه التأكيدات الإيرانية حقيقية؟

يعتقد متابعون لإيران، بعضهم غربي وبعضهم الآخر عربي ومنهم متعاطف معها لقدرتها على القيام بدور مهم في مكافحة الإرهاب الذي صار عالمياً، أن التأكيدات هي تمنيات حقيقية. لكن تحقيقها كلها ليس متيسّراً، وهذا أمر يعرفه القادة والمسؤولون في طهران. فدول “الهلال” الذي سمّاه الأردن شيعياً فرطت بين يديها، وصار لها فيها شركاء أميركيون وسعوديون وعرب آخرون وإرهابيون تكفيريون وأتراك. وهي تستطيع استعمال استمرارها في حروبها لتعزيز موقعها في حوار مع أميركا حول قضايا المنطقة وأدوار دولها الكبرى فيها وأحجامها وليس للانتصار فيها، وتالياً لمتابعة تنفيذ مشروعها الأساسي. وهو حوار سيبدأ مهما قيل عن رفض “ثنائيته”، ولا تمانع أميركا في أن يكون ثلاثياً أو رباعياً أو خماسياً أو سداسياً. والحرب في اليمن قد لا تحقِّق الانتصار الذي أمِلَت فيه طهران باعتراف قريبين من قيادتها جراء أخطاء كثيرة ارتُكبت، وجراء اعتبار المملكة العربية السعودية خسارتها لها ضربة استراتيجية لدورها وقبله لاستقرارها وأمنها. وهذا أمر لا تتساهل فيه اميركا لاعتبارها المملكة مصلحة حيوية واستراتيجية وخطاً أحمر ترفض اجتيازه على الأقل حتى الآن، باعتبار أن ما يحرك الدول العظمى والكبرى المصالح لا العواطف. وسيبدأ الحوار ايضاً لأن حاجة أميركا إلى إيران لمحاربة الارهاب وإعادة الاستقرار إلى المنطقة تساوي حاجة إيران إليها.

أما في حال لم تصح اعتقادات المتابعين المذكورين أعلاه، فإن المنطقة ستصبح كلها ساحة حروب بين دول وحروب أهلية وحروب طائفية ومذهبية. كما سيتعرّض الاتفاق النووي الايراني – الدولي إلى خطر كبير مع السيد الجديد للبيت الابيض أواخر كانون الثاني 2017، وخصوصاً إذا كان جمهورياً متشدّداً أو ديموقراطياً اختلف مع الرئيس أوباما بسبب عدم وضعه “استراتيجيا سورية” واقليمية وتوجهه السلمي الايراني.

طبعاً لا يعني هذا الكلام أن إيران صارت في موقع ضعيف. فهي لا تزال قوية وربما الأقوى اقليمياً بسبب جيشها و”حزب الله” اللبناني. لكن ذلك وحده لا يكفيها للانتصار في مواجهة عالم إسلامي غالبيته سنّة يعتبر ما يجري في المنطقة حرباً عليه، ومجتمع دولي يرفض بغالبيته سيطرتها وأعداءها على المنطقة. لذلك يُحذّر المتابعون أنفسهم إيران من أمرين هما: “غرور القدرة” أي القوة و”نشوة الانتصار”.