IMLebanon

إحذروا ابتسامة جعجع!

 

أنْ يعتلي زعيم منبراً وينتقي لغة تشبهه، أمام رأي عام موحّد اللون، أمر سهل. لكن أن يجلس زعيم مسيحي بين جمهور متنوّع فكرياً وعقائدياً ودينياً، ويحاكي في كلماته الأولى وجع المواطن اللبناني الشيعي الحرّ، ويحاور ويردد اسم مواطن مسيحي منتقد خلفه، ويفتح النقاش مع الشيعي “المقاوم” الذي يحاول إغلاق الباب، ويضع أمام السنّي ميزان الربح والخسارة، ويقنع الدرزي بثبات الموقف، هنا تكمن الصعوبة.

 

هذه استراتيجية رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع، الذي تمكّن، في مقابلة تلفزيونية، أمس، من استدراج الحلفاء والخصوم إلى ساحته، من دون أحصنة، دخلوا بأرجلهم، منهم بداعي المزايدة والشعبوية، وآخرون بهدف الفضول علّ المواجهة عن قرب تكشف شخصية أخرى، وبعضهم للتأكد من أن جعجع ثابت على مبادئه كيفما اتجهت الرياح. هي لعبة “الدهاء المجبول بالذكاء”، ونادرون هم من يتقنون فن هذه اللعبة.

 

استطاع جعجع أن يُجلس عشرات الآلاف، إن لم يكن مئات، من جميع الانتماءات والجنسيات، في لبنان وخارجه، طوعاً وقسراً، أمام الشاشة الصغيرة، حاملين هواتفهم، منتقدين ومؤيدين، تحليلاته ومواقفه المحلية والإقليمية. عبر رئيس “القوات” الحدود والطوائف، في أقل من ساعتين، مفنّداً بالوقائع والتواريخ، ملفات أمنية واقتصادية ومعيشية وسياسية تكاد تطيح البلد.

 

يرتدي جعجع البزة المناسبة لكل سؤال. هو السياسي الجريء الذي يروي عن زيارته قصر بعبدا، بكلمات معدودة صريحة تحمل رسالة واضحة لا لبس في فهمها. أراد جعجع إبلاغ الجميع أن طريق بعبدا وهوية رجل القصر هما ذاتهما المؤديان إلى سن الفيل أو وزارة الخارجية ومن يجلس هناك، وإن اختلفت الألقاب والأسماء.

 

هو الحليف العاتب والمحذّر لرئيس الحكومة سعد الحريري، من أنه لا يمكن تكرار خطأ المرحلة الانتخابية وما قبلها، مستقبلاً، وابرام تسويات متوهّماً أنها غير مرئية.

 

هو الحليف المتمسّك بالثوابت السيادية، ويجد في رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الزعيم الذي يمكن إقناعه بالتخلي عن كرسي الوسطية، والوصول معه إلى أن تصبح النسبة المئوية “نقيّة” 100% لتحقيق دولة المؤسسات.

 

هو المؤمن بأنّ 14 آذار باقية ومستمرة، محاولاً سحب مارد هذه القوى وانعاشه من داخل المناصرين، على الرغم من إدراكه أن بعض الحلفاء يعقدون الصفقات غير الشرعية على الطاولة وأمام أعين الجميع.

 

هو الرافض كلياً لفكرة أن رئيس “التيار الوطني الحرّ” منافس له، كما لا يستحق انتقاد الأخير الرد عليه، خصوصاً في الحقبة اللبنانية الماضية الذي أبدع بذكرها باسيل. أخيراً، وعلى الرغم من قناعة جعجع أن لا فرق بين الرئيس ميشال عون وباسيل، يزن رئيس “القوات” الشخصيتين وفقاً لذلك التاريخ. فيجد أنّ الردّ في زمن الجنرال ورئيس التيار عون يستحق، أمّا اليوم، فتنتفي الحجة، باعتبار أن من يتحدث عن تلك المرحلة لا علم له بها سوى ما قرأه في بعض الكتب التي أراد باسيل قراءتها دون سواها. يعامل جعجع رئيس “التيار” الحالي على قاعدة، “حكيني بشي عندك منّو”.

 

ابتسامة رجل معراب عند سرد الوقائع ليست عفوية. يدرك الرجل تماماً، أنّ تحركات باسيل الفوضوية وعباراته العشوائية في الداخل اللبناني وخارجه، يحصد ثمارها هو، إذ أعطى باسيل، خلال سعيه وراء السلطة، فرصة ذهبية لن تتكرر، أمام جعجع. تعب الأول من كثرة الركض الطائفي والتجوال المحرّض، فكثُر أعداؤه، فيما تضاعف عدد مؤيدي جعجع، وهو جالس.

 

البعض رأى في ملفات البواخر والكهرباء والمعابر غير الشرعية وتفنيد ثغرات الموازنة والخوف من الوضع الاقتصادي وضرورة انعقاد الحكومة، قصة ابريق الزيت التي رواها وزراء جعجع ونوابه، قبله، ويكررونها عند كل مفترق. وعلى الرغم من أن إعادة طرح هذه الملفات الدسمة ليست إلا دليلاً على وحدة الصف وثبات في الدفاع عن القضايا المحقّة، قليلون من رصدوا في تلك الزاوية من الشاشة، أنّ ذلك الديبلوماسي المعتّق يطمح في العام 2025، مبتسماً أيضاً، إلى زمن “يرتاح” فيه الشعب، كل الشعب.

 

أحد هؤلاء الراصدين، انتظر حتى أنهى جعجع جميع رسائله، وقال: “لا أحد يعلم، فقد تتحوّل معلومات القصر عن رشق البيض والبطاطا والبندورة وتبويس تيريز إلى بحث عن استراتيجية دفاعية وطنية تعيد لهذا الموقع ثقله، وتجد في أرجائه ثلاثية الشعب والجيش والدولة، في العام 2025، فاحذروا ابتسامة جعجع!”.