في المعطيات:
طائرةٌ مُسيَّرةٌ إيرانيّةٌ انطلقَت من مدينةِ تدمر (الآراميّة) في سوريا وخَرقَت أجواءَ إسرائيل فأسقطَتها المضاداتُ الإسرائيليّة. سلاحُ الطيران الإسرائيليّ أغار فوراً على مواقعَ عسكريّةٍ سوريّةٍ وإيرانيّةٍ في سوريا ودَمَّر قاعدةً إيرانيّةً لإطلاقِ طائراتٍ مُسيَّرةٍ وثلاثَ منظوماتِ صواريخَ سوريّةٍ.
الدفاعُ الجويُّ السوريُّ ردَّ، خلافاً لتقاليدِه، بصواريخَ أرض/ جوّ (S-200) روسيّةِ الصنعِ والإشرافِ وأصابَ طائرةً عسكريّةً إسرائيليّةً أميركيّةَ الصُنع (F-16/I). اتصالاتٌ إسرائيليّةٌ – روسيّةٌ – أميركية لاحتواءِ الوضعِ المتفَجِّر.
استنفارُ الجيشِ اللبنانيِّ وحزبِ «الله» في جنوبِ لبنان، وظهورُ مقاتلين أفغان مُدرَّبين في إيران في جنوبِ غربيِّ سوريا قبالةَ الجولان. الولاياتُ المتّحدةُ الأميركيّةُ تَضامنت مع إسرائيل وروسيا حذَّرتها. إنّها المواجهةُ العسكريّةُ المباشَرةُ الأولى بين طهران وتل أبيب.
في الاستنتاجات:
قررت إيران فتحَ جبهةٍ في جنوبِ سوريا ضِدَّ إسرائيل بموازاةِ جَبهتِها الثابتةِ في جنوبِ لبنان (مقالي: «تعايشٌ وتنافسٌ بين الحروبِ والتسويات» – جريدة الجمهوريّة 23/10/2017). تزامَنَ الحادثُ مع وصولِ وزيرِ خارجيّةِ أميركا ريكس تيلرسون إلى المِنطقة. غَيّرت التطوّراتُ قواعدَ «الستاتكو» بين إسرائيل وسوريا المعمولَ بها منذ 1973.
تَعرَّضت تجربةُ «مناطقَ خَفضِ التوتّر» في سوريا لانتكاسَةٍ جِديّةٍ من خِلالِ هجومِ تركيا في الشمالِ الغربيِّ، والمواجَهةِ بين إيران وإسرائيل في الجَنوبِ الغربيّ. انطَلقت الحربُ السوريّةُ الثانيةُ فيما الأولى لم تَنتهِ بعد.
الخسائرُ العسكريُّة متوازِنةٌ، لكنَّ إسرائيل أُصيبَت في عنفوانِ سلاحِها الجويِّ المتفوِّق تاريخياً. بروزُ اختلافٍ حولَ سوريا بين روسيا وإيران: الأولى تُفضِّلُ التبريدَ لتُثبِتَ أنَّها انتصرت وأنْهَت الحربَ في سوريا وحافَظت على النِظام، والأخيرةُ تريد الاحتفاظَ بحَقِّ عملٍ عسكريٍّ ضِدَّ إسرائيل في إطارِ استراتيجيتها الأساسيّة. بالنسبةِ لإسرائيل، انتهَت سنواتُ مشاهَدةِ الآخَرين يتقاتلون وبدأت سنواتُ المشاركةِ في القتالِ تدريجاً.
في التوقعات:
ارتفاعُ نسبةِ حصولِ حربٍ بين إسرائيلَ وإيران على جَبهتَي لبنانَ وسوريا، إذ سَبقَ أن أعلنَت إسرائيلُ أنّها لا تُفرِّقُ بينهما. استمرارُ وتيرةِ التصعيدِ من خلالِ معاركَ متقطِّعةٍ.
إسرائيلُ تفضِّلُ حصولَ الحربِ وترامب في البيتِ الأبيض، وحزبُ الله يُفضِّلها وميشال عون في بعبدا، وإيرانُ تُفضِّلُها وهي في سوريا لئلّا تقعَ في أراضيها وتُعكِّرَ تصديرَ النَفطِ عبرَ مضيقِ «باب المندب». قبلَ خوضِ أيِّ حربٍ جديدةٍ ستَسبُرُ إسرائيلُ غَـوْرَ الموقفِ الروسيِّ لأنَّ روسيا موجودةٌ على حدودِها هذه المرّة ومواقِفَها ملتَبِسةٌ. روسيا ستكتفي بحمايةِ النظامِ ومساعدتِه تِقنياً والتوسُّطِ عندَ الحاجةِ بين إسرائيل وإيران لضبطِ حدود المواجهة.
أميركا ستَدخُل بشكلٍ ما على الخَطِّ ضِدَّ إيران وحزبِ الله بالتنسيق الكامل مع إسرائيل. صعوبةُ التوصّلِ إلى تسويةٍ سلميّةٍ تقضي بانسحابِ قوّاتِ حزبِ «الله» وإيران من سوريا. الحربُ المقبِلةُ، إنْ وقعَت، ستَدحَرُ هذه القواتِ جنوبيَّ سوريا أو ستبقيها مرحليّاً في إطارِ اتفاقٍ شبيهٍ بالقرارِ الدولي 1701 في جنوبِ لبنان (مقالي: «الخِياراتُ الأميركيّةُ المحدودةُ والساحةُ السوريّةُ المفتوحة – جريدة الجمهورية 03/07/2017). تأخُّرُ وقوعِ الحربِ ناتجٌ عن التخوّفِ من اتساعِها جغرافيّاً وتحوُّلِها إقليميّة، بل دوليّة.
استبعادُ نجاحِ الوساطات لأنَّ رهاناتِ جميعِ الأطراف استراتيجيّةٌ لا تَكتيّة: إيران لن تنسَحبَ من سوريا في المدى المنظور، حزبُ الله لن يُسلِّمَ سلاحَه طواعيّة، إسرائيلُ لن تَقبلَ طويلاً بهذا الواقع، روسيا تناورُ بأوراقِ الحربِ والسلام، وأميركا مُصمِّمةٌ على تعويمِ حروبِها السابقةِ في المِنطقة من 1991 حتى اليوم.
هذه المعطياتُ والاستنتاجاتُ والتوقّعاتُ تُحتّمُ مسؤوليّات. لبنانُ أمامَ مرحلةٍ جديدةٍ تستدعي شجاعةً حكيمةً ووطنيّةً خالصةً وتقديراً دقيقاً للأخطارِ وتقييماً عميقاً للمعلومات.
حسناً فَعلت الدولةُ اللبنانيّة بأنْ بادَرت واتّخذَت المواقفَ المقاوِمَة حِفاظاً على سيادتِها البريّةِ والبحريّة. وبالتالي، يَجدرُ بحزب «الله» أن يبقى بمنأى عن أيِّ تحرُّكٍ طالما أنَّ الدولةَ اللبنانيّةَ قرّرت المواجهةَ والتصدّي ديبلوماسيّاً وعسكريّاً.
إنَّ مبادرةَ الدولةِ تُبقي الأحداثَ في إطارِ السيادةِ اللبنانيّةِ والقوانينِ الدوليّة وقراراتِ الأممِ المتَّحدة، في حين أنَّ أيَّ تحركٍ عسكريٍّ لحزبِ «الله» يُطيح كلَّ هذه الأوراقِ الثمينة، خصوصاً وأنَّ لبنانَ يَتحضَّر لمؤتمرَين في روما وباريس. فالدولُ المانِحةُ تَودُّ مساعدةَ لبنانَ الدولةِ لا لبنانَ حزب «الله»، ولبنانَ المسالِمَ في ظل السيادةِ لا لبنانَ المحارِبَ خارجَ الشرعيّة.
أيُّ سوءِ تقديرٍ في مثلِ هذه الظروفِ يؤدّي إلى عواقبَ وخيمةٍ. فغالِبيّةُ العهودِ السابقةِ فَشِلت بسببِ سوءِ التقديرِ لا بسببِ سوءِ الإدارةِ أو الضُعف العسكريّ.
سوءُ تقديرِ نابوليون اضطُرَّه إلى العودةِ من روسيا في كانون الأول 1812.
وسوءُ تقديرِ الجنرال الإنكليزي «مونتغمري» خَسَّره معركةَ «ماركِت غاردين» في مدينة أرنايم (Arnhem) الألمانيّةِ في أيلول 1944. وسوءُ تقديرِ جون كينيدي لردّةِ فعلِ كاسترو أَفشَلَ عمليّةَ «خليجِ الخنازير» في نيسان 1961. وسوءُ تقديرِ خروتشيف لردّةِ فعلِ جون كينيدي اضطُرَّه إلى سحبِ صواريخِه النوويّةِ من كوبا في تشرين الأول 1962، وسوءُ تقديرِ جمال عبد الناصر أوصَله إلى هزيمةِ حربِ حزيران 1967.
وسوءُ تقديرِ جنرالات الأرجنتين أودى بهم إلى خسارةِ جُزرِ الـ«مالوين» أمامَ بريطانيا في حزيران 1982، وسوءُ تقديرِ الإمامِ الخُمينيّ أسفَر عن انتصارِ العراق في آب 1988. وسوءُ تقديرِ صدّام حسين ورَّطَه في حربِ الكويت في آب 1990. وأخيراً، سوءُ تقديرِ مصطفى البرزاني أَفقَده السلطةَ والاستقلالَ معاً في كُردستان في أيلول 2017.
وفي لبنان، لم نَنس بَعد عبارةَ السيد حسن نصرالله سنةَ 2006: «لو كنتُ أعلَم». وكلمةُ «لو» لم تُعمِّر بيتاً واحداً بل هَدَمت بلداناً كثيرة.