IMLebanon

حذارِ اللعب بنار الأمن والفتنة

 

ما جرى أمس من توتر وإطلاق نار في بلدات الشحار الغربي، يؤكد مرة أخرى خطورة أجواء الإستفزاز والتحدي التي تثيرها جولات الوزير الهمّام جبران باسيل في بعض المناطق المعارضة لتياره ولخطابه السياسي، دون أن يُراعي الخصوصية الحزبية والسياسية لهذه المناطق التي يحاول إقتحامها عنوة عن إرادة الأكثرية الساحقة من أهلها!

 

صحيح أن الدستور كفل حرية التنقل والتعبير، ولكن الأصح أيضاً أن الميثاق الوطني والبنود الدستورية حذرت من مغبة الخطاب الطائفي، ومن التحريض وإثارة النعرات بين مواطني المنطقة الواحدة والقرية الواحدة، وبالتالي حق الناس في التعبير عن رفضهم زيارات أصحاب مثل هذا الخطاب البغيض.

 

لا أحد يجهل حساسية الوضع في الجبل، خاصة بعد محاولة التيار الوطني الحر تجيير المصالحة التاريخية التي تمت برعاية البطريرك الراحل بطرس صفير لمصلحته، والإيحاء بأن عودة المسيحيين إلى قراهم تُحسب من إنجازات التيار أولاً وأخيراً، فضلاً عن الغمز من قناة القوات اللبنانية وإعتبارها المسبب المباشر لتهجير المسيحيين إبان حرب الجبل.

 

ثمة ملفات في الصيغة اللبنانية لا تحتمل التلاعب بتفاصيلها وبعض وقائعها، ويبدو في كثير من الأحيان أن مجرد تحريكها، هو لعب بالنار، وأشبه بنبش القبور، لإعادة إشاعة أجواء الحقد والكراهية بين المكونات اللبنانية.

 

اللغة الإستعلائية التي ترافق جولات الوزير باسيل تصب زيت الحساسيات والإستفزازات على الخلافات السياسية، التي سرعان ما تهدد بصدامات مناطقية وطائفية، البلد بغنى عنها، ولا قدرة للبنانيين على تحمل أوزارها وتداعياتها المدمرة في هذه المرحلة الصعبة، كما حصل أمس في بلدات الشحار الغربي، وأدى ألى سقوط شهداء وجرحى.

 

ومن المفترض أن يكون منظمو زيارات رئيس التيار الوطني ألى مختلف المناطق على دراية كافية بوضعية هذه المنطقة، التي تغلي أساساً بسبب الخلافات الحزبية المحلية، والتي أدت إلى سقوط شباب من الطرفين في ظروف بالغة الدقة والحساسية، ومعالجة مضاعفاتها لم تنتهِ بعد. مما يعني أنه كان من الأجدى والأسلم تجنب زيارة هذا المربع، مع ما قد تثيره من توترات تؤدي بسهولة إلى جريان الدم على الأرض، لأن جميع الأطراف في حالة من الإستنفار السياسي والحزبي، تعلمها الأجهزة الأمنية، كما المرجعيات الرسمية.

 

وقد يكون ما حصل أمس في الشحار الغربي، مناسبة لإعادة تقييم نتائج وجدوى الجولات الإسبوعية التي يقوم بها الوزير باسيل شرقاً وغرباً، وفي مناطق لا وجود فيها لمؤيدي تياره أو لخطابه السياسي.

 

قد تكون مثل هذه الجولات مبررة لو أن إنتخاب رئيس الجمهورية في لبنان يتم من قبل الشعب مباشرة، كما يحصل في الديموقراطيات الغربية. أما وأن الإقتراع يتم في مجلس النواب، ونتيجة تفاهمات خارجية، وصفقات محلية، فإن هذه الجولات تفقد أهميتها الإنتخابية والسياسية، وتتحول إلى زيارات مستفزة للأطراف السياسية والحزبية الأخرى، وقواعدها الشعبية، التي غالباً ما تتحين الفرص للتعبير عن رفضها وغضبها من مثل هذه التحديات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تزيد الصراعات تأججاً، وترفع منسوب الإحتقان والتوتر في الشارع إلى درجة الصدام المسلح، وما حصل أمس نموذج صارخ!

 

إن الفتنة التي أطلت برأسها في الشحار أمس، تحتاج إلى كثير من الحكمة وضبط النفس لتطويقها، وعدم توسيع رقعة المواجهة بين شباب المنطقة، التي تتوزع إنتماءاتهم الحزبية بين الجنبلاطية والأرسلانية، والتي أشعلت جذوتها زيارة الوزير باسيل، وما أثارته من ردود فعل غاضبة وفورية أدت إلى سقوط الشهداء والجرحى.

 

في حين أن إستغلال الدماء البريئة التي سالت أمس في الشارع، لغايات في نفس يعقوب، سيؤدي إلى تداعيات وعواقب وخيمة ليس على المنطقة المكلومة وحسب، بل قد تمتد إنعكاساته على الوضع الأمني برمته في البلد.

 

حذارِ اللعب بنار الفتنة والأمن مهما كانت الحسابات، لأن السحر سينقلب على الساحر، خاصة وأن البعض ما زال حديث العهد بممارسة هذه اللعبة الخطرة التي قد نعلم كيف تبدأ..، ولكن لا أحد يستطيع أن يتكهن كيف ومتى ستنتهي!