لم يكن ثمناً عادياً ذاك الذي تكبده الجيش اللبناني في الفصول المتعاقبة من المواجهات الجارية مع التنظيمات الارهابية والذي بدأ الآن يتخذ بعده الاستراتيجي الابعد من لبنان مع ملامح الهزائم التي بدأ تنظيم الدولة الاسلامية يمنى بها في العراق وسوريا. والواقع ان هذا البعد لا يبعث على الاطمئنان اطلاقا من ناحية التقديرات العسكرية الاستراتيجية التي تجعل جرود عرسال ورأس بعلبك وسائر الجرود المتداخلة مع الحدود الشرقية مع سوريا الضلع الثالث من “ثلاثية” اخرى زجت بلبنان في هذا المعترك مع تمدد نيران الحرب السورية الى اراضيه، فصرنا بين كفّي كماشة ثلاثية من هنا وثلاثية من هناك وكلتاهما تنذر بتطاير المواجهات سواء مع عدو تاريخي اصلي هو اسرائيل وآخر طارئ وافد هو “داعش” وسائر مشتقاته.
مع ذلك يستدعي هذا الواقع الشديد الخطورة، الضاغط بقوة عصف الارهاب الناظر الى الحدود اللبنانية كساحة لتعويض هزائمه، بعدما طرد اخيراً من ديالى العراقية وكوباني الكردية السورية اكثر بكثير من مجرد التوجس اللفظي والتطلع بعمق اكبر الى الاهمية الساحقة التي تكتسبها شجاعة الجيش وتضحياته وتفانيه باللحم الحي القائم في الوقوف في هذه المواجهة على مدار الساعات الاربع والعشرين يومياً في وضع استنفاري قلما عاش تجربة مماثلة له. ولعل كثيرين في لبنان لن يستطيبوا ما سيرد في الآتي من الاحتمالات العسكرية والميدانية إن مضت التنظيمات الارهابية في محاولات اختراق الحدود اللبنانية مقدمة بذلك خدمات جلّى للنظام السوري نفسه. ونعني هنا ما يجري نفيه ورفضه يومياً من التنسيق العملاني بين الجيش اللبناني وقوات النظام السوري و”حزب الله” من واقع ان الثلاثة يخوضون معركة واحدة مع عدو مشترك. وعلى افتراض ان ذلك لم يحصل بعد، فان هذا الاحتمال لن يبقى مجرد افتراض نظري في قابل الافتراضات المنظورة اذا جنحت التنظيمات الارهابية الى توسيع غير اعتيادي لمحاولاتها في الحاق جرود القلمون بجرود عرسال ورأس بعلبك وبريتال لمد اطار امارتها الميدانية وتوسيعها مما سيضع لبنان أمام خيارات المر والاشد المرارة او الكحل والعمى. نقول ذلك من منطلق الخشية التي يرتبها عقل ارهابي يقدم الخدمات المجانية للنظام الذي يحاربه سواء قصداً او بنزق غير متخيل، فيما يترصد النظام نفسه اي فرصة ارباك يقع فيها لبنان ليطرح خدماته الزائفة في توحيد الجبهة الميدانية على غرار ما ينادي به منذ مدة طويلة.
فماذا تراه يفعل لبنان الرسمي أمام هذا الاحتمال الزاحف؟
اذا كان الجيش لا يزال يخوض معركته منفرداً ولو باسناد خلفي “صديق” في بعض المناطق المعروفة، فان وقائع طارئة باتت تحتم التحسب لقلب قواعد المواجهة وتحصين الاستقلالية الميدانية للجيش لئلا يغدو الخيار بين الالتحاق بالتحالف الدولي او التسليم القسري لثلاثية جديدة مكلفة للغاية.