IMLebanon

احذروا غضبهم أو… جنونهم!

باتت حالة التعبئة المقرفة سائدة بين اللبنانيين جميعاً ضد السوريين. غالبية لبنانية تريد رحيلهم. المؤشرات المقلقة تشير الى ان العنصرية تجاوزت حدود التعرض لهم وإذلالهم، وقد بلغت حدّ الدعوة المفتوحة الى اخراجهم من لبنان، او وضعهم في مخيمات معزولة ومطوّقة امنياً وعسكرياً. الانفصام اللبناني لا سابقة له. بين اصحاب مشاريع صغيرة او متوسطة او كبيرة تستند الى العمالة السورية في انتاجها المباشر ــــ بسبب كلفتها المتدنية قياساً بنظيرتها اللبنانية ــــ وجمهور ما دون الطبقة الوسطى الذي يستفيد من الوجود السوري بسبب استثماراته على صعيد المساكن والمتاجر الصغيرة.

وبين الفئتين، ثالثة تتعلق بالسوق السوداء القذرة، حيث تشغيل سوريين وسوريات في عالم الممنوعات على انواعه، لكن هذه الكتلة اللبنانية نفسها، بكل فئاتها، تريد من هؤلاء السوريين ان يسكنوا ويعملوا ويأكلوا ويصمتوا. تريدهم على شاكلة العبيد في زمن الصمت الشامل.

في سوريا، اليوم، موجة عداء جديدة للبنانيين. التعبير عنها تطوّر من احتجاجات في مقالات ومقابلات، الى تسجيلات وصور وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي بعض الحالات، يجري التنفيس عن الغضب عبر اعتداءات يتعرض لها لبنانيون، سرقة او اغتصاباً او ضرباً. ومن يتسنَّ له من السوريين اللجوء الى حمل السلاح في كنف مجموعات متمردة على القانون العام، فعل ذلك، للدفاع عن نفسه فقط، لا عن فكرة ولا عن عقيدة ولا عما يحزنون.

قبل ايام، وُزّع فيديو لشاب سوري يشتم اللبنانيين، ويذكّرهم بما فعلته لهم سوريا في مراحل عدة من الحرب اللبنانية، ويتوعّدهم بأن السوريين، في اي حرب يتعرض لها لبنان من اسرائيل، او حرب اهلية داخلية، لن يستقبلوا لبنانياً واحداً، وسيقفلون الحدود في وجههم. ويمنعون دخولهم الى اراضي الشام.

توافق اللبنانيون على كره السوريين…

فئة تعدّهم شبيحة النظام وأخرى ترى أنهم عناصر المجموعات التكفيرية

قد يقال إنه تعبير فردي، لكن الاختلاط بالعمال السوريين في لبنان، او بعضهم في بيروت، يمكن ان يعطي فكرة عن حالة العداء الكامن. يقول اسعد ابو خليل ان اللبنانيين وجدوا حيلتهم لكي يكرهوا، جميعاً، كل السوريين. فئة تتهمهم بأنهم من «شبّيحة النظام» بعدما توافدوا بكثرة للتصويت للرئيس بشار الاسد، وفئة تتهمهم بأنهم من انصار وقواعد المجموعات التكفيرية التي تنفذ الاعمال الوحشية في سوريا او لبنان. في المحصلة، يجتمع اللبنانيون جميعاً على كره السوريين جميعا.

في المضمر ما هو اخطر، ففي فريق 14 اذار، كانت قوى رئيسية تعوّل على القتال السوري الدموي لتحقق نتائج لمصلحتها. سيطرت الغباوة والانتهازية على عقول هؤلاء، بعدما اعتقدوا بأن هناك من يقاتل عنهم، لكنهم، فجأة، وجدوا الوحش أمامهم، فلجأوا الى عنصرية تتحكّم في كل حواسهم. وباتوا لا يريدون بقاء سوري واحد في لبنان. وفي فريق 8 اذار، تخلّى المتفلسفون، سريعاً، عن شعاراتهم التضامنية مع الشعب السوري المتعب. وصار كثيرون منهم يخاطبون الشعب السوري مثلما يفعل كثيرون في النظام الحاكم هناك. لجأ مناصرون لـ 8 و 14 اذار الى اساليب قذرة في معاملة السوريين.

كل ذلك، لا يعني ابداً ان السوريين يواجهون المأساة اليومية اينما حلوا في لبنان. وبين قرابة مليون و 800 الف سوري يعيشون في بلادنا اليوم، لا تتجاوز نسبة الاحداث الـ 2 الى 3 في المئة. وهي، ربما، نسبة اقل من تلك التي يواجهها النازحون السوريين في تركيا والاردن واوروبا، لكن المشكلة عندنا اننا لسنا على خط تماس مع الحرب السورية الكبرى فحسب، بل في قلبها أيضاً. وهذا ما ينذر بالخطر.

لا يفهم اللبنانيون انهم جزء من الحرب القائمة على الارض السورية اليوم. وانهم، جميعاً ومن دون استثناء، شركاء فيها بالموقف والمال والسلاح والقتال ايضاً. وانهم سيتأثرون بنتائج هذه الحرب المجنونة، وسينال كل لبناني، من دون استثناء، نصيبه منها. واذا لم ينتبه هؤلاء الى حقيقة ما يجري، ويتخذوا موقفاً يناسب مصالحهم الحقيقية، فستبقى الامور على حالها، وتتجه الى المزيد من التفاقم، وعند وصولها خط الذروة سيقع الانفجار، وعندئذ، تنتهي الحدود نهائيا، ليس بين البلدين او الشعبين فقط، بل بين الازمتين أيضاً، وعندها يصير لبنان كله في قلب حلقة النار القائمة الان، والآخذة في الاتساع.

ليس لدى لبنان من خيار ازاء التعامل مع الازمة السورية. والتاريخ يعيد تذكير من نسي بأننا نعيش في مكان واحد، وبان اختلاف الانظمة لا يغير في طبيعة الهواجس والمصالح المتطابقة. ومن يعتقد بأن هناك فروقاً حقيقية بين الناس، فإنه مجنون يجب ابعاده الى العيش حيث يعتقد ان الحياة هناك تناسبه، لكن على الغالبية منا، وقبل الوصول الى حافة الانفجار الكبير، التنبه والحذر من غضب السوريين، او من جنونهم!