لا تقل محنة العسكريين الرهائن منذ اربعة اشهر لدى التنظيمات المتطرفة الارهابية عن حالة حرب بتداعياتها الامنية وضغوطها النفسية البالغة الشراسة على عائلات العسكريين ومن خلالهم على الجيش وقوى الامن الداخلي واللبنانيين عموما. ولا يقل الثقل الدائم لهذه المحنة كاختبار للحكومة خطورة عليها لكونها اول حكومة لبنانية تواجه محنة وطنية من هذا النوع. وقد جاءت المعركة المباغتة الجديدة امس في جرود رأس بعلبك لتكشف تكرارا ان هذه الحرب مفتوحة على انتصارات وانتكاسات وانجازات وانتقامات وفي كل الاحوال على تنامي لائحة الشهداء العسكريين وارتفاع الضريبة الدامية القسرية لجغرافيا لا مفر من اثمانها وواقع اقليمي جهنمي.
اذن ترانا امام محنة لا تسمح بالاستكانة الى اي ضمانات غير القدرات باللحم الحي مهما كلفت التضحيات، وهي محنة لم نتجرب بمثلها يوما ولكننا لا نزال نعاين اساليب تقليدية في التعامل معها مما يفسر ذلك الضياع والبلبلة اللذين يطبعان السلوكيات الرسمية والشعبية حيالها. واذا كان شر البلية ما يضحك، مع انه في محنة كهذه تغدو اي سخرية في موقع الاخلال باللياقات الاخلاقية، فاننا لا نجد سوى مسرح هزلي في استجرار الطابع المذهبي على التداعيات التي ينجح الخاطفون يوما بعد يوم في اطلاقها عبر الداخل متلاعبين بالحساسيات اللبنانية وضاربين على وترها. نقول ذلك ونحن نشهد في التطورات اليومية لهذه المحنة، وما لم يبدل من يقبضون على زمام المبادرة صورة التعامل معها بسرعة، ملامح شديدة الخطورة في خدمة الخاطفين بأشكال عفوية أو مقصودة.
فمن أسف كبير أن الرهائن العسكريين الذين سقطوا في غفلة ميدانية لعينة رهائن في ايدي التنظيمات التي هاجمت عرسال باتوا بعد اربعة اشهر من محنة لا يمكن احدا تخيل قسوتها وشراستها يصنفون في بعض خبايا التعامل السياسي معها وفق المذاهب اي ان الخاطفين نجحوا ايما نجاح في تعميم معجمهم المذهبي وتصنيفاته على الرهائن الضحايا لديهم ومن خلالهم على أهل البيت اللبناني. هؤلاء العسكريون حين كانوا في الميدان كما حين خطفوا واسروا وصاروا رهائن كانوا ولا يزالون وسيبقون تحت لواء هوية واحدة هي الهوية العسكرية والامنية اللبنانية. واي انزلاق لبناني الى فخ التصنيف المذهبي يعني التنازل الأشد خطورة للخاطفين في حرب ستتصاعد فصولها الى الذروة اذا بدأ التفاوض المباشر على تحرير العسكريين وأخذ مسلكه نحو صفقة تبادل أو مقايضة أو مهما تكن التسمية. وسواء بدافع عفوي أو عصبي أو مقصود، فإن التورط في مذهبة محنة العسكريين الرهائن لن يخرج لبنان الا مكسورا مهزوما مطاطأ الرأس. ولا نريد الظن ان العالم بات ينحني امام تضحيات لبنانيين هويتهم لبنانية خالصة فيما يتسلل من الداخل خدمات للخاطفين بهذا الخطر القاتل.