«عرفتيني؟ تذكّرتي مين أنا؟» عبارة تحولت كلمة سرّ بين العصابات، تُتيحَ لأيّ سارق مرافقة ضحيتِه إلى عقر دارها وسلبها ما تملك من مصاغ ومال، والهرَب «مِتل حبّة مِلح ودابت». أكثر من أيّ وقت مضى تحوّلت «سرقة المنازل أشبه بباب رزق لدى بعض اللصوص»، وفقَ ما أكّده مصدر أمني لـ»الجمهورية»، مشيراً «إلى ارتفاع نسبة السرقات تزامُناً مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، وذلك بمعدّل منزلين أو ثلاثة إسبوعياً بين كسروان وجبَيل على سبيل المثال لا الحصر».
أكثر من 40 عملية سرقة نجح هـ. ن. (1969) في ارتكابها بمفرده خلال العامين الأخيرين من دون تركِ أيّ دليل قد يقود إلى كشفِه. فكان يجرؤ على السرقة بينما أصحابُ المنزل في داخله، إمّا يشاهدون التلفاز ليلاً أو يتناولون الطعامَ ظهراً، فيوجِّه تركيزَه في الدرجة الأولى إلى غرف النوم باحثاً عن الذهب أو المال.
«قضاء حاجته» فضَحه
في هذا الإطار يتوقّف المصدر الأمني ذاته عند أهمّية التعقّب الدقيق لمسرح الجريمة للوصول إلى هوية المجرم، قائلاً: «بعد تبَلُّغِنا أيّ عملية سرقة، نرفَع البصمات ونتعقّب أبسطَ التفاصيل التي قد تساعدنا في كشف هوية السارق.
إلّا أنّه كان يتمتّع بحِرفية عالية لدرجة أنّه لم يترك أيّ أثر له خلال 40 عملية سرقة»، مشيراً إلى أنّ أحد «المنازل التي تسَلّل إليها كان مجهّزاً بكاميرا للمراقبة لكنّها لم تكشف ملامحَه الدقيقة لاعتماره قبّعة، لذا شكّلت مجرّد تكهنات أوّلية».
ويضيف: «لم نكن لنُحدّد هويته لولا تنبُّهنا إلى قضائه حاجته في حديقة منزل محاذٍ لمنزل سَرَقه وكانت العملية الرقم 41 في سِجلّه، فتمكّنا بعد فترة من تحديد هويته بعد تحليل خروجه ومقارنة الحمض النووي لأنه كان مسجوناً منذ 5 سنوات ومن أصحاب السوابق».
بعدما اكتملت هوية هـ. لدى الأجهزة الأمنية، كمنَت له قرب أحد المنازل التي يَملكها. ببرودة متناهية حضَر بعد يومين، وما إنْ ترَجَّل من سيارة عمومية حتى ألقِي القبض عليه قبل أن يتسنّى له سَحب مسدّسه عن خصره.
وفي التحقيقات، اعترفَ هـ. بسرقة 42 منزلاً، ولم يكن بعد تصَرّفَ بمسروقات المنزلين الأخيرين، فضُبِط معه 150 ألف دولار، وألماس بنحو 60 ألف دولار. وفي هذا السياق، يَلفت المصدر الأمني إلى أنّ هـ. كان يتعاطى الترامال قبل كلّ سَرقة ممّا يزيده شجاعةً وثقةً بالنفس لدخول المنزل وكأنّه يَدخل بيتَه».
أساليب احترافية
إحترَف هـ. على مدى عامَين «قَرصَ الباب» لسَرقة المنازل، بعد أن يكون تمعَّنَ في طبيعة الأبواب المركّبة، مفَضِلاً عدمَ تكبّدِ عَناء الاحتيال على الضحايا وإيهامهم بأنّه أحد أقربائهم، كما حصَل مع العمّة نبيهة (1942).
إذ وبينما كانت عائدة سيراً إلى منزلها وهي تحمل بيَدها بعض الأغراض، توقّف قربها شابٌّ في سيارته، عارضاً عليها إيصالها إلى منزلها. فصَعدت معه بعدما أفهَمها أنّه أحد أنسبائها، ولدى وصولِهما إلى منزلها أصَرّ على مساعدتها في حملِ أغراضها، وبينما كانت تُعِدّ له الشراب استغلّ غيابَها ليسرق خاتمين ومبلغاً من المال، ويفرّ.
كاد السيناريو عينُه يتكرّر مع لبيبة (1950) بينما كانت عائدة إلى منزلها، إستوقفَها شخص يقود سيارة مرسيدس فضّية اللون وعَرّفها عن نفسه بأنّه أحد أقربائها، فسألته إذا كان إيلي ابن سِلفها، أجابَها بنعم، مشيراً إلى أنّ شكله تغيّر بسبب مرض السكّري ثمّ أبدى رغبتَه بشرب فنجان قهوة لديها، فرحّبَت به وتَرافَقا إلى منزلها.
دخلت لبيبة تُعِدّ فنجانَ قهوة، فاستأذنها الدخول إلى المرحاض، إلّا أنّه ما لبثَ أن خرج وتسَلّل إلى غرفة النوم، فلمَحَته، وسارعت للخروج إلى الشرفة تصرخ «حرامي، حرامي»، فما كان من اللص إلّا أن يغادر مسرعاً.
لكنّه لم يكن يدرك أنّ نبيهة تقطن في بناية مقابل منزل ذويها، فخرج والدها على صراخها، وتوَجّه إلى مدخل البناء حيث صودِف وقوف سيّدتين، بينما كان اللص يُغادر مردّداً، «أنا مِش حرامي» فصَعد بسيارته مسرعاً وصدمَ السيّدتين، ووالد نبيهة، وقد نُقِلوا جميعُهم إلى المستشفى. لكنّ الجيران تمكّنوا من أخذ إخراج قيدِه وهم يحاولون توقيفَه ليتبيّن أنّّه يونس. م. ق. (1960). وبَعد رفع البصمات، وخلال التحقيقات، لاحَظوا وجودَ تطابق بين بصمات يونس وآثار بصماتٍ رُفِعت من 11 مسرح جريمة.
… إستغلال وجود الخادمات
أبعدُ من التسَلل أو إيهام اللص ضحاياه بأنّه أحد أقاربهم، تستغلّ فئة ثالثة من اللصوص وجودَ الخادمات في المنازل للسَطو عليها، أو مسِنّات لوحدهنّ. يَطرق السارق الباب ليتأكّد من في الداخل، فيلهيها ويوهِمها بأنّه يريد إصلاحَ شيء ما، ثمّ يَعمد إلى الدخول وسَرقة ما يقع تحت نظره. وما حدثَ مع ربيع في عين الرمّانة أكبر دليل، إذ قرَع أحد اللصوص ذات يوم على الإنترفون فأجابته سيّدة، أعلمَها أنّه يقصد شقّة جارها لتسليمه دعوةً، ففَتحت له البوّابة.
بعدها توجَّه اللص إلى منزل الضحية المستهدَفة، ففَتحت له الخادمة الباب بعدما أوهمَها بأنّه سنكري أرسَله ربيع ليصلحَ عطلاً استجدّ لديهم.
دخل يُدقّق في حنايا المنزل، ثمّ طلبَ منها المساعدة في إحدى عيارات المياه فألهاها، وعَمد إلى سرقة المنزل. والسارق عينُه أوهمَ إحدى الخادمات بأنّه يريد إصلاحَ البرّاد، فسرقَ جهاز كمبيوتر وما طالته يداه.
… لن تصَدّقوا
أمّا ما تَعرّضَت له نهاد في منزلها في ضبيّة فكان أقربَ إلى فيلم أميركي طويل. قرابةَ الثامنة صباحاً قرَع الجرس شخصٌ مجهول، واستأذنَها الاطّلاعَ على منزلها كونه يريد شراءَ شقّة مماثلة في البناء عينه. ولم يتردّد في أن يطلبَ منها إعداد فنجان قهوة، ثمّ ما لبثت أن شعرَت نهاد بالدوار، لتستيقظ لاحقاً وتكتشفَ بأنّ مجهولاً سَرقها.
تَعدّدت السرقات ولم تنجُ منطقة من جشَع اللصوص ووقاحتهم. في هذا الإطار، يوضح المصدر الأمني عينُه، «أنّ الأوضاع الاقتصادية والفوضى المحدِقة في البلد من الأسباب الأساسية المشجّعة على السرقة». أمّا عن هوية السارقين فيلفت إلى «أنّ السرقات الكبيرة معظم مرتكبيها لبنانيّون، أمّا السرقات المتوسّطة أو الصغيرة، مثل الهواتف، الدرّاجات النارية، مقتنيات سيارات، حقائب يد، فمعظم مرتكبيها من الأجانب».
ويحذر من «تزايَد حجم السرقات (المتوسّطة والصغيرة) مقارنةً مع الأعوام المنصرمة، أي قبل أن يشهد لبنان الكثافةَ السكّانية هذه، ويَكفي النظر إلى نسبة الموقوفين الأجانب للتأكّد من حجم ارتكاباتهم»، لافتاً -على سبيل المثال- «إلى معدّل 365 سرقة سَنوية للهواتف بين كسروان وجبيل، و250 مقتنيات سيارات».