Site icon IMLebanon

احذروا الأمكنة الخاطئة!

لم يكن أبناء عكار في حاجة إلى سقوط مزيد من الشهداء العسكريين في المكان الخاطئ لتظهير واقعها الاجتماعي البائس في لحظة التباس غير مسبوقة في تمازج معنى شهادة العسكر مع السعي إلى الرزق الحلال لكون هذه المنطقة خزان الجيش الدائم. كما لم تكن المؤسسة العسكرية لتتحمل في تداعيات الانهيار السياسي الزج بمسألة الرواتب في التوظيف السياسي المتهالك الرخيص. في عز الانشطار الطائفي والتقسيمي إبان الحرب لم يتورع الحاكم الأسبق الراحل لمصرف لبنان ادمون نعيم عن منع التأخير في دفع الرواتب لـ”الجيشين” حين كان لبنان مشطوراً بين حكومتي الرئيسين سليم الحص والعماد ميشال عون في آن واحد. لعل قضية رواتب العسكريين تشكل احدث نماذج الاقفال التصاعدي الجاري تنفيذه عمدا، على مسالك النظام إلى حدود الخنق والانفجار. لا تنفصل هذه “العينة” عن نهج سيكون من الغباء الاعتقاد بانها مجرد هفوات أو من سوء التدبير أو من شُح الموارد. يجري التضييق على المؤسسات وتعطيلها بكل ما يستتبع ذلك من انفجارات اجتماعية واقتصادية ومالية تتهدد البلاد بالانهيارات وحين يتم ايجاد بعض المسارب من خارج حلقات الحصار تقوم القيامة، اي أن التوظيف يكون مزدوجاً بالفعل التعطيلي وبابتزاز محاولات التفلت منه بالحدود الدنيا القسرية المتاحة. يحاصر مجلس الوزراء ويمنع انعقاده ولو لمجرد تصريف الملح من القضايا الحيوية وحين يأخذ رئيسه على عاتقه دفع رواتب العسكريين يرمى بمخالفة القانون على ألسنة الذين امتهنوا التعطيل نهجاً لا مرد له. وغداً ينسحب الأمر نفسه على كل شاردة وواردة في سلم تصاعدي متراكم من الأزمات التي باتت الحكومة تنوء بأحمالها بعدما منعت طويلاً من أن تغادر مربع التعطيل والحصار. وقع المعطلون في حفرة العجز ايضاً عن الإطاحة الكاملة بالحكومة لأنهم لم يأمنوا امتلاك “اليوم التالي” لا في القبض على رئاسة هائمة في حرب اقليمية مستعرة ولا في فراغ دستوري تحول حقل ألغام قاتلاً للقاتل والمقتول سواء بسواء. ولكنهم يمضون قدماً في المكابرة ولا يرعوون عن اغراق المؤسسات في ما حفروه لها ولأنفسهم وتالياً لعموم اللبنانيين. تبعاً لذلك لم نعد نفهم مواقف بعض ممن يجب أن يكونوا عند ضفة المناهضة لهذا النهج في مسألة التشريع المطروحة على بساط التقرير. حتى مع الحيثيات المبررة لبعض هذه المواقف بتنا نخشى أن تصبح المكابرة في عدم الافراج عن جلسة ولو يتيمة لتفريج بعض الأوضاع الملحة خدمة مجانية طوعية لأصحاب النهج التعطيلي وتبريراً ضمنياً لسلوكيات هؤلاء. ولعله لم يفت الأوان بعد لقلب الطاولة على هذا النهج قبل استحالة مواجهته وقبل أن تطال المسؤولية المصيرية من يجب الا يكونوا أو يستغرقوا في المكان الخاطئ.