ماذا لو بدأنا من اللغة؛ [إيّاك] ضمير نصب منفصل؛ وإذا أكّدت كرّرت [إيّاك إيّاك]، ومنها قول الفضل بن عبد الرحمن القرشيّ لابنه: فإيّاكَ إيّاكَ المِراءَ فإنّه/ إلى الشرِّ دَعّاءٌ، ولِلشرِّ جالبُ»!!
يعيش لبنان تحت وطأة «إياك» التي أطلقها النائب ميشال عون في وجه قائد الجيش العماد جان قهوجي والتي أحدثت صدمة لدى اللبنانيّين، إذ انّ هذا النمط من الخطاب ليس مألوفاً بين سياسيّ وبين قائد المؤسسة العسكريّة، خصوصاً في وقتٍ تخوض فيه هذه المؤسسة حرباً طاحنة في مواجهة الإرهاب الذي يضرب لبنان والذي يستهدف أول ما يستهدف مؤسسة الجيش اللبناني، وضباطه وأفراده.
هذا في الشكل السياسي للصورة التي شاهدناها للنائب ميشال عون في مؤتمره الصحافي، أمّا في المضمون، فكثير من اللبنانيّين يدركون أنّ السقف السياسي العالي الذي خدع حزب الله حليفه السياسي وتركه يرفعه إلى أقصى الحدود مدّعياً وداعياً تيار المستقبل ليحاور حليفه انكسر على حافّة ما أعلنه الرئيس نبيه بري «لن أنتخب ميشال عون لأنّه يعتبرني غير شرعي»، والرئيس نبيه بري حليف حزب الله وغطاءه الحقيقي في منظومة الدولة اللبنانيّة، سبق وأكّد أنّه مع التعيين في المناصب العسكرية أولاً وعاشراً وأنه ضدّ الفراغ في هذه المؤسسات ومع التمديد في حال لم يتمّ التوافق، هكذا خدع حزب الله النائب ميشال عون، فتركته تأكيدات حزب الله يظنّ أنّ الحزب سيفرض صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش فارضاً معادلة غير مسبوقة لا يكون فيها رئيس الجمهورية هو من يعيّن قائد الجيش، وهذا الضغط الكبير الذي مارسه عون حوّل العميد شامل روكز إلى «كارت محروق»، بالرّغم من أن روكز لم يخرج من محيطه ما يوحي أنّه طرفٌ في هذا الصراع الدائر، إلا أنّه وبرغم صمته خسر كلّ الحظوظ التي كانت تحيط باسمه، وفي لحظة هوى السقف العالي للنائب ميشال عون وانتقل في لحظة واحدة مكرّراً نفس أسلوب الضغط الذي أورثه خسارة كبرى منيَ بها فتحوّل من مطالب بمنصب قيادة الجيش لـ»صهره» إلى محاولٍ لإيجاد مخرج يحفظ ماء الوجه ويبقى صهره في منصبه قبل حلول موعد تقاعده وتسريحه من الجيش اللبناني!!
ومن المؤسف؛ أنّ النائب ميشال عون لم يستفد من تجارب العام 1989 و1990 ولا من تجربة العام 2006 التي خاضها مع حلفائه في الشارع، ولا من تجربته الشخصية مع وعود حليفه حزب الله عام 2009 عندما مشى اتفاق الدوحة بدعم دولي للعماد ميشال سليمان رئيساً للجمهوريّة اللبنانية، ولا من تجربة تظاهرة الـ 150 عونياً الذي كشفوا هشاشة التيار على الأرض، مجدداً قرّر الذهاب إلى الشارع، مع أنّه جرّب مراراً حكاية «الحشود» التي لا توصل إلى مكان في لبنان، فعقد العزم على «نفير» جديد!!
ويدرك الكثير من اللبنانيين أنّ الحديث عن السرقات والفساد وحقوق المسيحيين هي عنوان سياسيّ يُخبّئ وراءه مصير قائد فوج المغاوير شامل روكز الذي يتقاعد في الخريف المقبل، وأنّ المواجهة السياسيّة الحادّة واقعة بين الرئيس نبيه برّي تحديداً وبين ميشال عون، وليس بين تيّار المستقبل والرئيس سعد الحريري ورئيس كتلة الإصلاح والتغيير ميشال عون، والسؤال الحقيقي الذي يطرحه كثيرون: ماذا لو حشد التيار البرتقالي خمسة آلاف مناصر، ما الذي قد يغيّره هذا العدد في المعادلة؟ يجيب البعض: سيغيّر الكثير.. وأخطر ما سيغيّره هو إظهاره لحجم ميشال عون الشعبي، وأنّه يأتي على عتبة أيلول وانتخابات التيار الوطني الحر ورغبة الجنرال في نقل رئاسة التيار لصهره الآخر جبران باسيل ما كلّ ما يقال عن تململ الدّاخل العوني من هذا الخيار!!
ويميل بعض المتابعين إلى الظنّ بأن الجنرال كان بغنى عن هذه التجربة وفي هذه المرحلة بالذات، بل ويقرأون في ابتعاد قيادة الجيش عن سطوته ابتعاداً مضاعفاً لرئاسة الجمهوريّة عن قبضته، وأنّه أحرج نفسه بنفسه لأنه لم يترك خطاً خلفياً واحداً يرجع إليه إذ أحرق وراءه كلّ الخطوط وأحرق كلّ الحظوظ وأقفل الأبواب في وجه نفسه وفي وجه صهره العميد شامل روكز، وأنّ حزب الله يثبت المرة تلو الأخرى قدرته على خداع الجنرال وبيعه كلاماً «ما عليه جمرك»!!