Site icon IMLebanon

إحذر عدوك مرة.. وصديقك ألف مرة!!

أبرز ما يثير مخاوف دول منطقة الخليج العربية هو الاتفاق النووي المبرم مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية والتوسع الايراني في المنطقة على كل اتساعها من سوريا ولبنان وغزة شرقاً الى دول مجلس التعاون الخليجي غرباً، ومن دول المغرب العربي شمالاً حتى أريتريا عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وبلدان شرق وغرب أفريقيا، وهو الأمر الذي أثار العديد من المخاوف لدى دول المنطقة، حيث لم يعد خافياً على أحد أن للنظام الايراني مخططاً لضرب وتفكيك منظومة دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها السعودية.

والهدف الحقيقي لإيران في سعيها للتحول الى قوة نووية اقليمية عظمى هو نزع المكانة الدينية التي تتمتع بها السعودية باشرافها على الأماكن المقدسة وفرض السيطرة الايرانية عليها، وما يستتبع ذلك من توسع النفوذ الايراني في كل المنطقة. ومن خلال غطاء أميركي وأوروبي ينهض المخطط الايراني الى تقسيم السعودية الى ثلاث دويلات عرقية ومذهبيةً، باعتبار أن ذلك يصب في صلب المخطط   الغربي لرسم الشرق الأوسط الكبير القائم على أساس تقسيم دول المنطقة الى دويلات عديدة على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، وما سيتبع ذلك من ضم بلدان الخليج  إلى منطقة النفوذ الإيراني طوعاً بعد اضعافها، ومن ثم ارغامها على طلب الحماية العسكرية المباشرة من إيران، من بوابة وجود تجمعات شيعية كبيرة في هذه الدول والتي تولي ولاءها الى ايران وتحلم بخليج فارسي في المنطقة. ومما سوف يساعد على تنفيذ هذا المخطط أن الغرب لن يجازف بالتدخل العسكري البري في المنطقة تفادياً لمواجهات واسعة مع القوة البشرية المسلحة السنية التي سوف تأتي من أصقاع الأراضي لحماية المقدسات الاسلامية من براثن الفرس، الى جانب الجماعات الاسلامية المتشددة وفي مقدمتها تنظيم القاعدة. ومن خلال هذا السيناريو الدموي سيفضل التوصل الى اتفاق مع ايران باعتبارها الأقوى نفوذاً في المنطقة والتي ستضمن للدول الغربية تدفق النفط الى الاسواق العالمية، وهذا المخطط الايراني مرهون بنجاح التقارب الراهن مع أميركا، وهو الهدف الرئيسي من وراء قبول ايران بالاتفاق النووي.

لم تخفِ دول الخليج العربية مخاوفها من اتفاق جنيف بين ايران ومجموعة دول 5+1 لأنه جاء على حساب أمنها المهدد من قبل ايران، وهو ما عبرت عنه مجلة «فورين بوليسي»  الأميركية بأن هذا الاتفاق يعد خيانة لأصدقاء أميركا الخليجيين في المنطقة خاصة السعوديين، وأنه سيفتح الباب أمام سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وهو السباق الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى بصورة أكثر دراماتيكية، وثبتت المجلة مخاوف دول الخليج الى أن ايران سيكون لديها القدرة بشكل دائم على تخصيب اليورانيوم وهو عنصر أساسي لتطوير أي سلاح نووي، كما أن القيود التي فرضها الاتفاق لن تكون دائمة ومن الممكن أن تتحلل منها ايران في أي وقت.

لقد تعمقت المخاوف العربية وخصوصاً الخليجية من هذه الصفقة لأن أولاً المفاوضات خالفت القاعدة الدولية المتبعة، وهى اشراك دول الجوار فيما يدور منها لأنها معنية مباشرة به، كما تم اشراك دول الجوار في المفاوضات مع كوريا الشمالية حول نفس الغرض، وهو التخفيف من الحظر النووي الكوري الشمالي، حيث شاركت 6 دول في التفاوضات أبرزها اليابان وكوريا الجنوبية، وثانياً لأن إيران قابضة على الحراك السياسي في أكثر من بلد عربي، حيث لها تدخل مباشر في العراق وسوريا ولبنان، كما أنها محركة لجزء من الاضطراب السياسي والعسكري في اليمن والبحرين بشكل غير مباشر، مما اتاح  لإيران خلال العشر سنوات الأخيرة أن تمد وجودها ونفوذها وتزرع شوكة  في الخاصرة العربية حتى أنها وصلت الى مصر والسودان ومضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر حيث النفوذ والوجود العسكري الايراني في اريتريا المشرفة على هذا المضيق.

ومن الطبيعي أن يكون لدى دول مجلس التعاون الكثير من الشكوك حول هذا الاتفاق، ومن ثم فإن سماح الولايات المتحدة بإطلاق يد ايران في برنامجها النووي من حيث استمرار عمليات التخصيب يعني في النهاية قبول الولايات المتحدة والغرب عموماً لمبدأ «ايران نووية»، وبذلك يكون المردود سلبياً على الأمن الخليجي بحقيقة استخدام ايران سلاحها النووي في حال انتاجه، ولكن من الطبيعي أن يكون مثل هذا السلاح وسيلة رئيسية في يد ايران لابتزاز دول الخليج العربية والضغط عليها للقبول بالمطالب الايرانية الاستراتيجية، لاسيما فيما يتعلق بمشاركتها كطرف رئيسي في منظومة الأمن الخليجي، وما يستدعيه ذلك من الحصول على تسهيلات عسكرية في دول الخليج، وحماية الأقليات الشيعية في هذه الدول بمعزل عن العمل الحكومي لتلك الدول.

ان ما يجري من سيطرة إيران على منطقة الخليج نتيجة الابتزاز النووي الإيرانى، سوف يهدد بقطع المصالح الغربية في هذه المنطقة وسوف يقضي على النفوذ الأميركي فيها. ولكن كما يبدو فإن الولايات المتحدة أصبحت غير مبالية بصدقاتها مع الدول الخليحية بل عزمت على استبدالهم بالأعداء. ويبدو أن الصمت والتجاهل الغربي للأهداف والمخططات والمحاولات الإيرانية لبسط الهيمنة على المنطقة سيكون تكراراً للصمت الأميركي والغربي لأهداف ومخططات ومحاولات النظام النازي في ألمانيا في عهد هتلر، عندما تجاهل الأميركيون والبريطانيون أطماع هتلر في أوروبا فكانت النتيجة أن احتل بقواته معظم القارة الأوروبية ونشوب الحرب العالمية الثانية.

أما الحديث الدائر حول عزم السعودية شراء قنبلة نووية من باكستان، فهل ذلك ممكن في ظل القيود الدولية القائمة التي تحرم على مالك السلاح النووي نقله أو بيعه، وهل بإمكان السعودية إقامة برنامج نووي يمكنها منه تصنيع مثل هذا السلاح، وهل سيضيف هذا السلاح النووي قيمة للدفاعات السعودية؟ فإنه من المؤكد أن السعودية لا تملك سلاحاً نووياً حالياً، وليس بإمكانها أن تبني برنامجاً نووياً يكون هدفه النهائي امتلاك سلاح نووي، وإن كان من حقها أن تحمي نفسها وتحصل على ما يوازي ما تملكه إيران تحقيقاً للتوازن والردع الاستراتيجي المضاد، وهذا من مبادئ متطلبات الأمن القومي لأي دولة، كما فعلت باكستان في مواجهة السلاح النووي الهندي وحققت ردعاً نووياً مضاداً للهند حيث منعت الأخيرة من تهديد باكستان رغم فارق القوى الجيوبوليتيكية الأخرى بين الدولتين والتي كانت لصالح الهند. ولكن نظرياً وسياسياً وعسكرياً، بل ومنطقياً ستضطر السعودية إلى حماية نفسها من النظام النووي الإيرانى، إما بالحصول على سلاح ردع نووي أو من أسلحة الدمار الشامل الأخرى، لا سيما أن لدى السعودية صواريخ باليستية صينية قادرة على حمل هذه الأسلحة، فضلاً عن التفوق الجوي السعودي في مواجهة السلاح الجوي الإيراني، أو بأن تعقد السعودية اتفاقيات مع دول كبرى أخرى مثل الصين وباكستان واندونيسيا ومصر لتعيد توازن القوى إلى المنطقة، وتحمي الأمن القومي السعودي الذي هو جزء من أمن كل دول الخليج.، لا سيما مع وضع النزعة العدوانية الإيرانية ضد السعودية، خاصة أن النظام الإيراني لم يتوقف يوماً عن استهداف السعودية مباشرة أو بالوكالة.

إن السلاح النووي الإيراني عندما ينضج لن يكون سلاحاً دفاعياً، بل سيعمل به كوسيلة ردع وابتزاز ليس فقط ضد دول الخليج، ولكن سوف يتوجه الى الدول الكبرى لمنعها من التدخل في نزاعات إيران الإقليمية وتحديداً في الخليج. ورغم أنه ليس صعباً تبيان مخاطر ترك إيران قادرة على إكمال تصنيع سلاحها النووي، فإن النظام الإيراني ودون امتلاكه، حتى اليوم  سلاحاً نووياً فإنه أدخل المنطقة في صراعات مسلحة وفتن طائفية وعرقية تهدد أمن واستقرار دول المنطقة، خاصة الخليجية، بل وكياناتها ووجودها مع التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين واليمن والكويت والإمارات والسعودية طوال السنوات الثلاثين الماضية، ناهيك عن ابتلاع إيران حالياً لمعظم الدول مثل العراق واليمن وسوريا ولبنان والجزر الثلاث الاماراتية، فإذا كان كل ذلك وقع ولم تمتلك إيران سلاحاً نووياً بعد، فكيف سيكون حال التدخل الإيراني في شؤون المنطقة بعد أن تمتلك هذه الأخيرة سلاحها النووي؟!!