مَن يعتقد أنّ نتائج وتداعيات عملية «فجر الجرود» قد انتهت على كل المستويات السياسية والعسكرية والأمنية هو مخطئ جداً. فالتهديداتُ التي أطلقتها السفاراتُ الغربية قد تكون من تردّداتها وتؤكّد أنّ فصولها لم تنتهِ بعد، طالما أنّ هناك طلقة نار واحدة ما زالت تُسمع على الأراضي السورية. فما هي الدوافع الى هذه الخلاصة؟ وهل يمكن أن تخضع للنقاش؟
يقول أحد الديبلوماسيين المعتمَدين في لبنان إنّ لعملية «فجر الجرود» ما يليها، فهي محطة فاصلة بين مرحلة وأخرى ولا تعني اللبنانيين فحسب. ذلك أنها بمفاعيلها العسكرية والسياسية فتحت المشهدَ السياسي والعسكري في المنطقة على مرحلة جديدة وستكون لها تأثيراتُها على لبنان والمنطقة، وعلى الجميع مواجهتها بأسلوب يتناسب وخصوصيّة المشهد الجديد وما تقتضيه ظروفُ المواجهة التي لم تنتهِ بعد مع الإرهاب الذي يمكنه أن يتلوّن ليثبت حضورَه الدائم مهما اشتدّ الحصار على أبطاله من المحرّضين الى المخطّطين وصولاً الى المنفّذين.
ومن هذه الخلفية بالذات يقرأ الدبلوماسي موجة بيانات التحذير التي أطلقتها سفاراتٌ غربية لمواطنيها بتوخّي الحذَر في تحرّكاتها على الساحة اللبنانية وهي تدابير اتُخذت في دول اخرى ومعمول بها في دول أوروبية وغربية وعربية كثيرة منذ فترة طويلة رافقت الهجمات الإرهابية التي تخطّت حدود القارات والدول وسجّلت انتصاراتها على عدد من أجهزة الإستخبارات التي كانت تدّعي السيطرة والإمساك بأمن بلدانها وبالحركة الدولية للإرهابيين.
والدليل الذي لا يتردّد الديبلوماسي في الإشارة اليه عندما تسأله عن التردّدات السلبية التي تركتها هذه البيانات في مثل الظروف السياسية التي تعيشها البلاد في هذه المرحلة بالذات التي تلت انتصارَ عملية الجرود والتي انعكست انفراجاتٍ في حركة السير خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتردّداً في ارتياد المؤسسات السياحية والمطاعم، رفض الربط بشدة بين مضمون هذه البيانات وما تشهده البلاد من استقرار لا تنعم به دول أخرى.
وأضاف الديبلوماسي مستغرِباً ومستهجِناً الربط الذي أجراه البعض – المتمسّك بنظرية المؤامرة في كل لحظة وموقف – بين هذه التحذيرات وما يسمّيه اللبنانيون انتصاراً وصولاً الى اتّهام أصحابها بأنهم يريدون تجاوزَ هذا الإنتصار وتردّداته الإيجابية التي عمّت بيوتَ اللبنانيين جميعاً. واعتبر أنّ أيّ انتصارٍ للبنان هو للعالم ودول الحلف الدولي على الإرهاب تحديداً، فلبنان واحد منها.
كما أنه انتصارٌ لكل مَن بنى مدماكاً في المؤسسة العسكرية والذين استثمروا كثيراً في المؤسسة العسكرية منذ سنوات عدة. وقال جازماً إنّ ما حصل ما بين 19 و30 آب الماضي في جرود القاع ورأس بعلبك «لم يكن ابن ساعته، فهو نتيجة جهود سنوات بُنيت فيها المؤسسات العسكرية والأمنية بكل جهد وسهر وتعب وبالتعاون القائم بين قيادة الجيش والمؤسسات العسكرية والأمنية طوال السنوات السابقة والعالم الذي دعم وما زال يدعمها بكلّ قوّة».
وأضاف: «على المنتقدين أن يفهموا أننا لم ولن نتوقّف أمام بعض النظريات التي بُنيت على قواعد ولأسباب تتّصل بالمعطيات السياسية الداخلية الآنية منها والقصيرة المدى. فالتعاونُ القائم بين لبنان والعالم مستمرّ وهو يجري وفق برنامج لم تنتهِ فصولُه ومراحلُه بعد، وإنّ ما جرى في «فجر الجرود» حافزٌ كبير على الإستمرار في ما تقرّر ونفّذ وفق أجندا بعيدة المدى لا تنتهي وإنّ ما جرى أخيراً لا علاقة له بكل هذه التفاصيل.
ولفت الديبلوماسي المعترضين الذين فاجأتهم بياناتُ التحذير المتلاحقة الى أنه عندما تتبادل الأجهزة الأمنية والإستخبارية المعلومات حول خطر أمني متوقّع تكتشف في بعض من الحالات أنها معلومات خاطئة، وكثيراً ما تكتشف أنها صحيحة وتقود الى اكتشافاتٍ مذهلة. وهنا يبدأ الربط بين الأحداث الحالية والمتوقّعة والسابق منها بالعودة الى ما هو متوافر في بنك المعلومات من إشاراتٍ يمكن أن يُعاد إحياؤها وقراءتُها مجدداً.
وهو ما تقوم به الأجهزة اللبنانية باحتراف لا مثيل له في عدد من الدول الكبرى. فهي تُجري في حالاتٍ مشابهة تقاطعاً في المعلومات المتوافرة لديها ولدينا بالإستناد الى ما لدينا ولديهم من المعلومات عن حركة الإرهابيين وخططهم في كثير من الدول فتصل الى قراءة موضوعية للمخاطر وحجمها ليُبنى على الشيء مقتضاه، فتتجاوز الغموض الذي يمكن أن يلفّ بعض المعطيات وتصل أحياناً الى تحديد الأهداف المحتمَلة.
وعليه، يقول الديبلوماسي، إنّ كل ما سبق عرضه يمكن مقاربته بعرض هذه الوقائع على مسؤولي الأجهزة الأمنية اللبنانية التي تدرك كل هذه المعطيات وتتعاطى معها بدقة متناهية وباهتمام دائم. فلا يجوز كما نفهم وهم يفهمون تجاهل أيٍّ من الروايات والسيناريوهات والمعلومات التي تصلنا وتصلهم على الإطلاق، أيّاً كانت النتائج فهم يدركون حجم كل رواية ومتروك لهم تقدير مخاطرها.
فما قاموا ويقومون به في السابق أثبت نجاحهم في تثمير المعلومات والإفادة منها وهو ما قاد الى تعطيل كثير من الهجمات الإرهابية في عمليات استباقية باتت نموذجاً في العمل الأمني الناجح الذي شهده لبنان في أكثر من زمان ومكان».
ويصرّ هذا الديبلوماسي على التاكيد «أنّ على اللبنانيين أن يتراجعوا عن كثير من النظريات السلبية وتلك التي تفسّر المواقف على خلفية وجود «المؤامرة الدائمة». فأمنُ لبنان خطٌّ أحمر منذ سنوات، وإنّ الرهان على بناء المؤسسات العسكرية قائمٌ وما زال.
لا بل إنّ القرار الجديد الذي بدأت تتبلور عناصرُه يقضي بزيادة الدعم والتعاون للبنان لإمرار المرحلة الراهنة وتجاوز مخاطرها وما على اللبنانيين سوى أن يعوا ذلك وعدم الإستثمار السياسي في كلّ ما جرى حتى اليوم».
وينتهى الديبلوماسي الى القول «إنّ هذه التدابير لا بدّ منها في مرحلة ضرب فيها الإرهاب في لبنان بقوة وهو أمر روتيني وتقليدي لا يخرج عن المألوف ولا بدّ من مراقبة أيّ حراك غير طبيعي. فالحديث عن خلايا نائمة ليس مزحة وليس سرّاً فهي في مواقع ومناطق حسّاسة يعرفها المسؤولون اللبنانيون قبل الغربيين وهي مواجهة لا بدّ منها.
ونعتقد صادقين أنّ لبنان أهل لها ومستعدّ للمواجهة بعدة كاملة ويستأهل قادة الأمن فيه منّا الثقة والإحترام شرط أن يتوقف البعض عن اعتبارها مجرّدَ إشاعات لأنها الوجه الآخر لحرب جديدة».