اتّهم عزت العلايلي، النجم السينمائيّ المصريّ المعروف، رئيس حكومة بريطانيا بالإنضمام إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، ودليلُه على ذلك إجلاء بريطانيا رعاياها من شرم الشيخ بعد مأساة الطائرة الروسيّة. لكنّ ما هو أفدح من اتّهام ديفيد كاميرون بـ «الإخوانيّة»، أنّ العلايلي سمّاه: جون براون.
العلايلي ليس من المشايخ التلفزيونيّين الذين تطير الفِيَلة من أفواههم، ولا هو من صنف الضبّاط – الأطبّاء الذين يجدون في الكفتة علاجاً للإيدز. وهو، كممثّل سينمائيّ، لم يكن يمثّل فيلماً تتغيّر فيه الأسماء، بحيث يقال جون براون فيما المقصود ديفيد كاميرون.
لقد كان النجم البارز ينطق بلسان مرض اجتماعيّ مستفحل. وحيال مرض كهذا، تنعدم الحاجة إلى البراهين وإلى الدقّة، ويصير كلّ ما يعزّز الوعي التآمريّ مرغوباً ومطلوباً، أصدرَ هذا عن ممثّل أو كاتب أو شيخ أو مسؤول.
واليوم، للأسف، تهبّ من القاهرة أخبار وأفكار وتحليلات ما أنزل الله بها من سلطان، يمهرها بالتوقيع أفراد يصعب حصرهم في فئات اجتماعيّة أو فئات تعليميّة أو مهن ووظائف. صحيح أنّ المراحل الانتقاليّة، بما فيها من عجز عن تعقّل الحاضر، ومن قلق وخوف من الآتي، غنيّة بالهستيريا التآمريّة. غير أنّ مصر ربّما عاشت وتعيش إحدى أطول المراحل الانتقاليّة في التاريخ الحديث. فما إن تُخطى خطوة تحاول أن تتجاوز «شرعيّة يوليو»، على تعدّد تلاوينها، حتّى تُخطى خطوتان نكوصيّتان في العودة المنضبطة إليها. وما إن يبدو أنّ البلد موشك على مغادرة الثنائيّة القديمة للإسلاميّين والعسكر، حتّى تلوح هذه الثنائيّة الشالّة وكأنّها منقوشة نقشاً في روحه.
وإذ يتعطّل في مناخ كهذا التصدّي للمشكلات الفعليّة، يبدو العالم الحقيقيّ متخماً بالرموز والإشارات، بل بالمؤامرات والخرافات التي تسيء إلى البلد المعنيّ، قبل أن تسيء إلى صورته. ومعروف أنّ لدينا أميركا وإسرائيل واليهود و»الإخوان المسلمين» والشيوعيّة، وكلها موادَّ خصبة لعقل تآمريّ يعيش في مجاعة دائمة.
فليس من العلامات المطمئنة أن يُعتقل الصحافيّ والناشط الحقوقيّ حسام بهجت، وقبله المذيعة التلفزيونيّة عزّة الحنّاوي، وهذا فضلاً عن أنّ صِدام السلطات بالإعلام مرّة، وبنشطاء حقوق الإنسان ومنظّماتها مرّة أخرى، يشهد على السلطات ومجتمعاتها أكثر ممّا يشهد لها. وفي الإطار نفسه تندرج شيطنة الخصوم والمعارضين، إسلاميّين كانوا أم غير إسلاميّين، حيث ينعدم تماماً كلّ فارق بين كلام المثقّف الاتّهاميّ وكلام رجل الأمن المحقّق.
وبالطبع فإنّ الحملة على الإرهاب تستدعي ذكاء أكبر، وقدرة على الاختلاف والمساءلة تتضاءل آثارها اليوم.
فمصر عرفت، منذ ثورة يناير، أحداثاً مزلزلة اختُبر فيها كلّ شيء تقريباً. وبعد كلّ ما حصل، بما فيه وصول «الإخوان المسلمين» إلى السلطة ثمّ إزاحتهم عنها، بات من الحيويّ جدّاً تعريض الأفكار على أنواعها، ومهما تباينت وتضاربت، للنقاش العامّ. أمّا المراوحة في المكان نفسه، ومعها مأسسة الكبت وتكثير المقدّسات والمحرّمات، فأقصر الطرق إلى استنقاع مخيف في الواقع وفي السياسة وفي الأفكار سواء بسواء.
وهذه ممارسات بات الأذكياء يتجنّبونها. فعالمنا وإن كان لا يزال قادراً على إنتاج الكثير من الظاهرات الضارّة، لا سيّما منها حركات الهويّة وعنفها وإرهابها، فإنّه بات أقدر على إنتاج ظاهرات مفيدة وكاشفة. ذاك أنّ أكثر من نصف سكّان كوكبنا باتوا مدينيّين، وقد تأدّى عن الثورتين الصناعيّة وما بعد الصناعيّة ارتفاع مدهش في مستويات التعليم. ومن خلال تقنيّات الاتّصال الحديثة بات العالم كلّه مرئيّاً للعالم كلّه. وأهمّ من هذا أنّ شعور الفرد بفرديّته الكارهة للإضطهاد، والإنسان بإنسانيّته الرافضة للإملاء من أعلى، صار أقوى من أيّ وقت سابق.
وهذا، في عمومه، يتطلّب من عزت العلايلي أن يبادر فوراً إلى إعادة اسم ديفيد كاميرون إليه، فضلاً عن فصله من جماعة «الإخوان المسلمين».