IMLebanon

أبعد من التعيين والتمديد…

إشارةُ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله إلى أهمّية كلام رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ومبادرته ليسَت عَرَضيّة. حزب الله يقف إلى جانب «التيار الوطني الحر» في مطالبه، وهذا ما أبلغَه السيّد إلى عون الذي أبلغَ الحاضرين في الاجتماع بدوره أنّ خياراته مفتوحة في هذا السياق.

تروي مصادر مطّلعة على اللقاء الأخير بين السيّد نصرالله وعون، أنّ الأخير بدا جدّياً في الذهاب بعيداً ضدّ التمديد للقادة الأمنيين والعسكريين. وأنّه أبلغَ إلى السيّد جملةَ خطوات سياسية ودستورية وقانونية يَنوي اتّخاذَها، فكان الجواب دعماً مع التشديد على وضع جميع الحلفاء في الجوّ، وأبلاغهم الخطوات المنوي اتّخاذها، ولا سيّما منهم رئيس مجلس النواب نبيه بري وزعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وذلك بغية إيجاد إجماع في قوى 8 آذار على أيّ خطوة قد تتّخَذ.

وتقول المصادر عينُها، إنّ حزب الله يتّخذ موقفاً مبدئياً إلى جانب عون، وإنّ علاقته بقائد الجيش جان قهوجي أكثر من ممتازة، ولكنّه يَنظر إلى مطالب عون انطلاقاً من التحالف والمصلحة الوطنية العليا. وتضيف: «المسألة عند عون أكبر من موضوع تعيين مراكز عسكرية وأمنية، وأبعد من رئاسة الجمهورية.

لقد شهدَ عون منذ عودته إلى لبنان في أيار 2005 على مجمَل المراحل التي عومِلَ فيها المسيحيون كهوامش للمشهد اللبناني، منذ المفاوضات التي جرَت قبَيل الانتخابات النيابية عام 2005، إلى «التحالف الرباعي»، إلى «اتّفاق الدوحة»، كلّها محطات يرى فيها عون مزيداً من التهميش للمسيحيين ومزيداً من التنكّر للشراكة والمناصفة والميثاق وحتى «اتّفاق الطائف».

على هذه التجربة المسكونة بتجربة التهميش، يَبني الجنرال مواقفَه الأخيرة. فمنذ خروج الجيش السوري من لبنان، وعودة القيادات المسيحية إلى العمل السياسي، يَخوض الرجل معركةَ تحصيل الحقوق والشراكة وتعريف المناصفة التي تحدّث عنها «اتفاق الطائف».

اللبنانيون جميعاً متّفقون على المناصفة، التي تؤمّن حضوراً مسيحياً في الدولة، ولكنّ هذه الموافقة لا تُترجَم على أرض الواقع، فلا المسيحيون قادرون على إيصال رئيس جديد للجمهورية لديه شرعية شعبية حقيقية، ولا هم قادرون على ممارسة ما بقيَ لهم في السلطة ضمن الأصول بسبب منطق العرقَلة والإصرار على الاعتداء على حقوقهم ومواقعهم.

المبادرة التي طرحَها عون قابلة للنقاش. وتَفتح الأفقَ أمام اللبنانيين للبحث جدّياً في عورات النظام وسلبياته. لا أحد يبحث عن العرقلة، ولكنّ الفراغ الذي يعيشه البلد، وحال الاهتراء التي تتمدّد من الرأس حتى كلّ شرايين الدولة، تؤكّد حاجة لبنان إلى صدمةٍ إيجابية ضمن الأطُر والأصول السياسية، ما يَضمن الاستقرار ويحافظ على الأمن في الداخل.

وتقول المصادر إنّ الخطوات التي سيتّخذها تكتّل «التغيير والإصلاح» تدريجاً ستشكّل فرصةً جدّية إمّا لتطبيق حَرفيّ وواضح لاتّفاق الطائف، وإمّا الذهاب نحو تعديل الدستور وتطويره، وإمّا لصَوغِ نظامٍ سياسيّ جديد عادل ومتوازن.

وعن طبيعة هذه الخطوات في حال الإصرار على التمديد لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، تؤكّد المصادر عينُها، أنّ كلّ الاحتمالات مفتوحة بما فيها الخروج من الحكومة والاستقالة من مجلس النواب، والضغط السياسي والشعبي الذي تُتيحه الأنظمة والقوانين.

لأنّ عون بعد تجربتِه مع «الفريق الآخر» قرّرَ الانتقالَ إلى مرحلة استعادة الحقوق المسيحية وتحصين وجودِهم في ظلّ منطقةٍ تشهَد كلَّ يوم مزيداً من التنكيل بالجماعات الدينية والثقافية، وتتّجه شيئاً فشيئاً نحو التطرّف.

وإذا أراد البعضُ الحفاظَ على الصيغة اللبنانية انطلاقاً مِن أنّ الوجود المسيحي والشراكة والمناصَفة ضرورةٌ وطنية ووجودية بالنسبة للكيان، عليه تقديم شيء لكي يشعرَ المسيحيون مجدّداً بأنّ الكيان الذي حلموا به وعملوا على قيامه، ليس قادراً فعلاً على قيامة جديدة إلّا بزخمٍ مسيحيّ فعّال.