التهديد الواضح الذي أوردته وكالة فارس في معرض مساهمتها في حملة «حزب الله» على مصرف لبنــان، من خلال استحضار ذكرى 7 أيار 2008، لا يتماشى إطلاقاً مع واقع الموقف الراهن. الظروف التي سبقت 7 أيار وأدّت إلى اتّفاق الدوحة كانت تهدف إلى تكريس موقع أكثر تقدّماً لحزب الله على الساحة اللبنانية بعد حرب العام 2006، من ضمن معادلة إقليمية قطبيها المملكة العربية السعودية من جهة وسوريا وإيران من جهة أخرى. المعادلة القائمة اليوم غير مشابهة إطلاقاً لسببين: أولهما أنّ العقوبات الأميركية على «حزب الله» هي مسألة تتعلّق بالنظام المصرفي الدولي ولا يُمكن ابتزاز أي طرف إقليمي لكسرها، وثانيهما أنّ حزب الله ومن خلفه إيران بحاجة لقطاع مصرفي لبناني يتمتّع بالشرعية الدوليّة للتواصل من خلاله مع النظام المصرفي الدولي. وبهذا المعنى يصبح التفجير الذي تعرّض له مصرف لبنان والمهجر، حتى ولو تكرر، ضرباً من النزق والضياع.
مفاعيل المأزق مع المصارف اللبنانية لا تنحصر بحزب الله، فمن غير المنطقي الفصل بين الاقتصاد الإيراني وكلّ من الاقتصادين الرديفين له في كلّ من لبنان والعراق. العقوبات الأميركية التي طاولت مؤسسات ومستثمرين تقول الإدارة الأميركية أنّهم يتولون تمويل مؤسسات الحزب، إنّما أتت في أقسى لحظات الضعف التي يعانيها الاقتصاد الإيراني. إنّ العودة إلى تصريح وزير الصناعة الإيراني محمد رضى نعمة زادة الذي أوردته وكالة الصحافة الفرنسية ونشره العديد من الصحف العربية يعبّر أصدق تعبير عن مدى الانهيار الذي وصل إليه الاقتصاد في إيران. يقول نعمة زادة في معرض تحذيره أمام مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) إنّ معدل النمو في إيران خلال العام 2015 كان أقل من 1% وأنّ الحكومة الإيرانية لم تستطع اجتذاب أكثر من 500 مليون دولار كاستثمارات أجنبية منذ تطبيق الاتفاق النووي علماً أنّ هناك حاجة إلى 30 حتى 50 بليون دولار لتحقيق النمو المطلوب. وأضاف أنّ إيران تحتل المرتبة 106 من 129 بلداً صناعياً وأنّ مؤشرات التصنيف لا يُمكن تحقيقها في إيران، كما أضاف أنّ نسبة البطالة بلغت 11% من السكان الناشطين (القادرين على مزاولة العمل)، وأنّ هناك 600 ألف شخص خسروا وظائفهم خلال العامين المنصرمين.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك التحذير، ما أورده مركز البحوث في البرلمان الإيراني والذي نقلته وكالة رويتر بأنّ غالبية المصارف في البلاد في وضع بائس وعلى وشك الإفلاس، ودعوة رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني ديوان الحسابات إلى التحقق من رواتب عالية جداً، يتّضح حجم المأزق الاقتصادي الذي تعانيه إيران.
إنّ مشكلة إيران هي أكثر تعقيداً من مسألة رفع العقوبات، فالاقتصاد الإيراني الريعي والمرتكز على النفط لم يعدّ كافياً لإعالة 80 مليون إيراني ولتحقيق طموحات إيران في سوريا ولبنان واليمن وصنعاء. لذلك تحاول طهران اقتحام القطاعات المصرفية في الدول التي تتمتع فيها بنفوذ لا سيما لبنان والعراق عبر عمليات تبييض أموال ودعم مجموعات سياسية وتنظيمات مسلّحة، لأنّ المصارف الإيرانية التي انفصلت لمدة طويلة عن النظّام العالمي ليست قادرة على أداء هذه المهمة. إنّ هاجس انفجار المسألة الاجتماعية في إيران هو هاجس دائم أمام الطبقة السياسية في طهران ولا سيما المحافظين منهم لا سيّما بعد ما أفرزته الانتخابات الأخيرة من توازنات ليست في صالح المحافظين، كلّ ذلك يدفع إيران إلى تأجيل الانفجار الداخلي بنقل الأزمة إلى خارج الحدود حيث يُجمع الفرقاء في إيران على التمدد إلى خارج الحدود.
الحقيقة، أنّ الظروف التي تمرّ بها ايران اليوم تُشبه الظروف التي أعقبت انسحاب الجيش السوري من لبنان ووضعت الدور الإيراني في لبنان في دائرة التحجيم حيث أقرّت طاولة الحوار الوطني نزع سلاح الميليشيات خارج المخيمات وبحثت فيما اصطلح على تسميته الاستراتيجية الدفاعية لنزع أو استيعاب سلاح حزب الله، وصدر على أثر ذلك القرار 1680 في مجلس الأمن بتاريخ 17 أيار 2006 الذي رحب بمندرجات طاولة الحوار ودعا سوريا إلى التجاوب. عدوان العام 2006 أسقط مقررات طاولة الحوار وسحب مسألة سلاح حزب الله من التداول وأدخل خمسة عشر ألف جندي دولي لضمان أمن الحدود الشمالية لإسرائيل. عدوان 2006 حقق تقاطعاً للمصالح الإيرانية – الإسرائيلية على حساب السيادة اللبنانية وقيام الدولة المستقلّة.
الساحة اللبنانية أضحت الرمزية الوحيدة للنجاح الإيراني في اختراق الساحة العربية بعد ذوبان الدور الإيراني على الساحة السورية وتطوّر الحالة الشيعية العراقية الرافضة للدور الإيراني والاستنزاف على الساحة اليمنية. التدخّل الإيراني المباشر في مسألة العقوبات الأميركية على حزب الله هو مغامرة جديدة لتهيئة الظروف لمتغيّر إقليمي ما، قد يكون مؤلماً، بما يتجاوز مسألة إسقاط العقوبات مقابل تسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟؟!!