لم تكن تعبيراً عن مزاج رائق تغريدة النائب وليد جنبلاط على “تويتر”: “حان الأوان لتشريع زراعة الحشيشة في لبنان”. السياسة ليست مزاجاً عند رجل مجبول بالسياسة كسيد المختارة. الأرجح أن رئيس “التقدمي” الفاتح على كل الأطراف والاتجاهات يبيعها فكرة “متطرفة” من جهة سياسية. محاولة ليس المطلوب أن تنجح في ذاتها بل لحمل معنيين على البحث في فكرة مقايضة: إطلاق محكومين إسلاميين بجرائم إرهاب، ومحكومين بجرائم مخدرات ومطلوبين ملاحقين بزرع حشيشة، دفعة واحدة.
بتعليق جانب الخطورة، والفارق بين جرائم الإرهاب والمخدرات، قد يتبادر الى الذهن أنها مقايضة مربحة للفريق الذي ينتمي الملاحقون بقضايا المخدرات الى بيئته أو جمهوره. الموقوفون والمطلوبون بقضايا الإرهاب يعدون بالمئات، حين يُقال إن عدد المطلوبين في بعلبك – الهرمل وحدها يناهز الـ37 ألفاً، معظمهم يكتفون بالزرع دون التعاطي والترويج والإتجار. يُقال أيضاً ضميرهم مطمئن الى فتوى دينية تبيح لهم رعاية النبات لا أكثر.
رمى جنبلاط فكرة في الهواء ليتلقفها المهتمون، لا سيما سياسيون آخرون يتلهفون منذ سنوات طويلة لاستصدار عفو عن جرائم المخدرات. عند إصدار العفو الشهير عام 2005 فرضت الظروف وموازين القوى مقايضة بين إطلاق رئيس حزب “القوات” الدكتور سمير جعجع وإطلاق مجموعة من المتورطين في أحداث الضنية أواخر عام 1999. هل هناك وسيلة أكثر إغراء لحمل “حزب الله” وحركة “أمل” على هزّ الرأس بالموافقة على مقايضة مختلفة، من خلال عفو عام عبر قانون في مجلس النواب يوفر لخاطفي العسكريين الأسرى في القلمون السورية مطالبهم، ويريح فئة واسعة من أبناء البقاع الشمالي؟
سينتقد كثيرون الفكرة إذا ما عرضها جنبلاط جدياً. أي لبنان هذا سيكون عندما يخرج الى الحرية مرة واحدة وبالجملة الإرهابيون وأبطال المخدرات وما تجر اليه، وغالبية الجرائم في البلاد من قتل وسرقة وسطو ونهب ترتبط بالمخدرات في شكل أو في آخر؟ وكم يوماً سيمضي هؤلاء في الحرية عاقلين مهذبين قبل أن يعودوا الى الجرائم والسجون؟
بعض وسائل الاعلام انبرى فوراً للتبشير بالتغريدة الجنبلاطية والترويج لها. خطأ. السماح بزرع الحشيشة يعني تلقائياً السماح بتعاطيها. ليس في لبنان دولة منذ قيام الدولة. سيزرعها “الشباب” على الشرفات وفي الجلول حول البيوت. في ما مضى كانت نسبة كبيرة من العائلات في كل الريف اللبناني تعيش أساساً على زرع الدخان قبل أن ينحصر هذا المورد في الجنوب والبقاع. كانت الرخص تسمح للمزارع بكمية ضئيلة لاستعماله الشخصي لكن تجارة “الدخان اللف” كانت رائجة وشائعة جداً، قبل انتشار سجائر الفيلتر “اليننجي” و”الطاتلي” وصولاً الى الغالبية “المارلبورو” (بليرة وربع في السبعينات).
هل اعتقد رئيس الحزب “التقدمي” أن لبنان يمكنه أن يضارع هولندا التي تبيح الحشيشة وتسجّل أدنى مستوى لتعاطيها؟ ثم كيف يدعم بقوة حملة وزيره الناجح في الإعلام والواقع وائل أبو فاعور للحفاظ على صحة المواطنين ويدعو في آن واحد الى ضرب عقولهم بالحشيشة؟
ببساطة شديدة، لم نفهم.