كان الكسيس دو توكفيل يقول ان الانتخابات ثورات دستورية، وكل جيل هو شعب جديد. لكن لبنان كان ولا يزال يسير في الاتجاه المعاكس لهذه المعادلة التي أكدت التجارب نجاحها على مدى قرنين. فالقاسم المشترك بين أمراء الطوائف المتنافسين على الحصص في الانتخابات هو ترتيب قانون انتخاب يعيد انتاج السلطة ويبقي نادي النظام مغلقا أمام أية ثورة دستورية أو تغيير. وما يحرصون عليه هو أن يرث كل جيل التركيبة الاجتماعية للجيل الذي سبقه وأحيانا أن يقوده تبدل الأزمان الى الوراء.
ومع ان الوقت يضيق والمواعيد ضاغطة والأولوية هي لقانون الانتخاب، فان البحث في القانون لا يزال دورانا في متاهة. ولا أحد يعرف، ما دمنا في موسم هواجس، كيف يمكن ابتكار صيغة تبدو مرضية لطرفين: خائف ومخيف. فليس أصعب من تجاهل الهواجس سوى تبديدها، بحيث يبحث الخائف عن تطمينات من المخيف. ولا شيء يوحي اننا في الحديث عن النظام الأكثري والنظام النسبي نريد التركيز على الجوهر في النظامين معا.
ذلك ان قوانين الانتخاب ليست ألغازا فلا شيء اسمه دوائر كبيرة في النظام الأكثري الذي تمارسه الدول الديمقراطية، حيث الدوائر الفردية هي النموذج. ولا تجارب ناجحة في الانتخابات النسبية في الأنظمة الطائفية والمذهبية والاتنية والقبلية.
وما مارسه لبنان حتى اليوم هو أسوأ نماذج النظام الأكثري. وما يأخذ أكبر عملية جدل حاليا هو الانتقال الى نظام نسبي أو مختلط.
لكن النظام الانتخابي، على أهميته، ليس مسألة معزولة عن النظام الاجتماعي. فالفارق كبير بين قانون يعطي صورة شبه كاملة للمجتمع وقانون يحدث تغييرا في المجتمع وبالتالي في النظام. والفوارق بين النظام الأكثري والنظام النسبي قليلة بالمعنى الجوهري حين تكون الأحاديات الطائفية والمذهبية هي المسيطرة، بحيث يتم التصويت على أساس بلوكات.
وهذا، لا مجرد حديث الخصوصيات، هو ما يجب الحوار العميق حوله بحثا عن جواب شامل لسؤال مطروح: لماذا يتخوّف زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من النسبية الكاملة التي كانت من أهم النقاط في برنامج الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط؟ أليس لأن المدّ التقدمي الوطني والعلماني كان كبيرا أيام جنبلاط الأب بحيث يحظى بالتمثيل الصحيح في النسبية الكاملة، في حين ان المدّ الجارف اليوم في لبنان والمنطقة هو التشنّج الطائفي والصراع المذهبي؟ أليس التخوّف من أن تقود النسبية الكاملة الى زيادة الخلل الطائفي والمذهبي حسب موازين القوى من دون موازين المصالح والوزن الوطني؟
اذا كان المطلوب تفكيك كل البلوكات الطائفية والمذهبية وليس بعضها، فان أبسط صيغة هي نظام صوت واحد لشخص واحد.