يتفق غالبية الافرقاء اللبنانيين على ان ما جرى صبيحة يوم عيد الفطر، وتمثل بتغريدة «الزعيم» وليد جنبلاط والتي اتهم فيها العهد بأنه «فاشل» لم يأتِ من فراغ، ولم يكن ابن ساعته.. واراد منها توجيه رسالة الى كل من يعنيهم أمر تأليف الحكومة العتيدة، خلاصتها ان أحداً لا يستطيع القفز من فوق خيارات رجل المختارة ومصالحه وحساباته السياسية وغير السياسية.. خصوصاً، وأنه كان على معرفة بما ستؤول اليه هذه «التغريدة» المرّة وما ستتركه من تداعيات، الامر الذي يفسح المجال أمامه من جديد لفتح أبواب كليمنصو، كما والمختارة، أمام الساعين الى ضبضبة ما حصل، والتعامل معه على أنه «رجل ولا كل الرجال»؟!.
قد يكون من المبالغة حصر اشكالية تعثر ولادة الحكومة العتيدة – حكومة ما بعد الانتخابات – بالعقدة الجنبلاطية، خصوصاً وان اشكالية العلاقة بين «ثنائي المارونية – السياسية» («التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية») ماتزال ماثلة أمام الجميع، وقد شكلت سبباً أساسياً في تعطيل التأليف خصوصاً وان الطرفين بقيا ممسكين بسلاحهما وكل «يغني على ليلاه»، مع ادراكهما المسبق، ان ذلك سيزيد من تعقيدات الوضع في وقت يدعو «الجميع» بمن فيهم «التيار» و»القوات» الى الاسراع في التأليف..
وقد يكون من الانصاف أيضاً القول، ان تراكم مطالب «التيار» التي تجاوزت مسألة التأليف، ومن بينها مسألة النازحين ومرسوم التجنيس.. ورفض التزام «تفاهم معراب» لجهة المناصفة الوزارية مع «القوات» زادت الامور تعقيداً على تعقيد، لاسيما وأن البعض يرى ان للعامل الخارجي دوراً فاعلاً ومؤثراً في تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات الاخيرة.. وان اطلاق النار على رئيس الجمهورية ليس جديداً وان أخذ اشكالاً وعناوين مختلفة، لكن الهدف واحد، وهو «شل حركة الرئيس وادخال العهد في مرحلة المراوحة القاتلة تحد من قدرته على مواجهة الاستحقاقات الخارجية والداخلية، ومن أبرزها – هذه الايام – ملف عودة النازحين السوريين والشروع بالاصلاحات الضرورية المطلوبة دولياً خصوصاً بعد مؤتمري روما -2 وباريس (سيدر)..
لا ينكر أفرقاء عديدون ان وراء أكمة تأخير ولادة الحكومة ما وراءها.. لكن من المبالغة القول ان كل شيء انتهى عند هذه النقطة، كما لا يمكن القول إن الطريق مقفلة على رغم ان المشهدية العالقة توحي بأن الامور معقدة؟!. وان كان التكليف لم يبلغ بعد سن الشهر، والجميع ينتظر عودة الرئيس الحريري من الخارج لاجراء المقتضى، وهو الذي كان أودع رئيس الجمهورية «مسودة» الحكومة العتيدة (من دون ذكر الأسماء) التي يراها قابلة للولادة في أقرب قت ممكن، من دون ان تبدي، رئاسة الجمهورية، أقله حتى اليوم، رأيها وتركت الامور للاجتهادات والتحليلات..؟!
تتفق مرجعيات سياسية وروحية، كل من موقعه، ومن بينهم الرئيس نبيه بري، الذي يُعد للسفر الى الخارج، على «ان الضرورة تحتم تشكيل الحكومة في أقرب وقت..» وهو يلح أمام زواره، على «عدم تضييع أي دقيقة في هذا السبيل، علماً أن لبنان على حافة هاوية والاقتصاد ينذر بمخاطر كبرى، قد لا يستطيع البلد ان يتحملها..». وقد وصلت الرسالة الى المعنيين، والذين يدركون ان معطيات التأليف الداخلية غير متوافرة كلياً، وليست كافية بعد، وهي ليست وحدها تتحكم بمسار هذا الاستحقاق.. على رغم أن البعض على قناعة بأن الشروط والشروط المضادة، ليست مستعصية على الحل، والرئيس المكلف، يدرك أن الكرة ليست في ملعبه لوحده، بل هي موزعة على ملاعب سائر الافرقاء الوازنين والمؤثرين من الكتل النيابية..
بحسب المعلومات الأولية المتوافرة، فإن الرئيس الحريري ماض في خياره، عازم على انجاز تأليف «حكومة وحده» لا تستثني أحداً.. وهو ينصح أي فريق، من الافرقاء، بعدم التصرف على أنه «ولي أمر الآخرين».. وان كلمته يجب أن تكون مسموعة.. بل يدعو الجميع الى الانصهار في بوتقة الحكومة العتيدة، بوصفها المؤسسة الرسمية، الأكثر أهمية بين سائر مؤسسات الدولة، وصاحبة القرار، «من دون لف او دوران». الامر الذي يستوجب وقف المزايدات والعراكات السياسية ووضع مصلحة لبنان واللبنانيين فوق أي اعتبار.. وهو (أي الحريري) يرفض بوضوح، لا لبس فيه، أي عراك بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل على العكس من ذلك، من دون انكار حق وواجب مجلس النواب في المراقبة والمساءلة والمحاسبة واعطاء او نزع الثقة؟!
ليس من شك في ان لبنان يمر بأزمة سياسية – اقتصادية – اجتماعية، وأمام الحكومة العتيدة سيل من ملفات القضايا العالقة، على كافة المستويات زاد منها ملف النازحين، الذي أخذ أبعاداً لم يكن من المتوقع ان نصل اليها.. لاسيما وان هؤلاء لم يأتوا الى لبنان «للكزدره» او عن طيبة خاطر، بل تحت ضغط «الحرب الكونية» في سوريا التي لم تقصر يوماً مع لبنان واللبنانيين حيث «يجب ان لا ننسى أنه خلال الحرب اللبنانية فتحت سوريا أبوابها أمام اللبنانيين لدرجة أنه سمح للبنانيين تحويل سياراتهم الخاصة الى سيارات عمومية ليتمكنوا من العيش أسوة بالسوريين» على ما قال نقيب الصحافة عوني الكعكي.. انها دورة الحياة الواحدة..
الايام آتية، ولبنان أمام خيارات، المضي في الازمة او تجاوزها، والعالم يتطلع الى ما يدور في الداخل، وعديدون يتساءلون، كيف لهذا العالم ان يساعدنا، ان لم يبادر اللبنانيون الى مساعدة ومساندة أنفسهم، بعيداً عن «أقليات» و»أكثريات» ويعملون على بناء دولة مدنية تكافح الفساد والهدر والمحسوبيات وتنزع كل ما يعيق أسس قيام دولة العدل والحق والخير والجمال..