بتحديد الرئيس نبيه برّي لموعد الجلسة التشريعية يومَ الاثنين ١٢ حزيران، يعني ذلك أنّ ولادة القانون الجديد ستتمّ في هذا التاريخ، ربطاً بالتوافق السياسي على هذا القانون. وبالتالي فإنّ التفاصيل المتبقية لاستكمال بنائه لا تعَدّ عائقاً في طريق الولادة، خصوصاً أنها تقنية وليست من النوع الذي تكمن في داخلها الشياطين ويمكن لها أن تعطل قانوناً وُلد من رحم توافق سياسي يبدو أنه أقوى من كل الشياطين.
ما حصل ليس حدثاً عادياً سرعان ما ستبلعه يوميات السياسة اللبنانية، ولا يمكن أن يُمَر عليه مرور الكرام، فالقانون الجديد يشكل قفزة نوعية لعلّها الأولى الى الأمام، كونها تؤسّس لانتظام الحياة السياسية في هذا البلد وبكل مستوياتها، على أساس سليم مغاير تماماً لمنطق القوانين الانتخابية التي حكمت واقع البلد منذ نشوء الكيان اللبناني. وبالتالي ليس خطأً إن تبادَل أهلُ السياسة والمقامات الرفيعة ومعهم سائر اللبنانيين التهاني بهذا الإنجاز.
الواضح أنّ الساحة السياسية تستقبل القانون الجديد بارتياح كبير وتبعاً لمواقف القوى السياسية على اختلافها يبدو أنّ هذه الساحة ستتفاعل مع هذا الإنجاز، لكن من المبكر جداً على هذه القوى أن تلجأ الى آلاتها الحاسبة والدخول في قياس حجم الربح والخسارة في القانون الجديد، خصوصاً أنّ حسنة هذا القانون أنه ليس من نوع القوانين الانتخابية السابقة التي كانت تُعرف نتائجها وتحدّد الخريطة النيابية وحجم مقاعد كل طرف لحظة إقرارها وقبل ذلك في أحيان كثيرة. وبالتالي هذا القانون مبهَم وغامض إن من حيث كيفية التطبيق أو من حيث ما سيقرّره الصوتُ التفضيلي وعتبة الفوز في ما يتصل بنتائجه النهائية.
تبعاً لذلك لا يستطيع أيّ طرف سياسي أن يقول إنه مطمئن الى ربحه وحجمه النيابي منذ الآن. إذ إنّ التوصل الى قانون جديد بالتوافق السياسي الذي أحاطه، معناه أنّ هناك سياقاً لمرحلة جديدة تفرض مقاربات جديدة وتموضعات جديدة، وبالتالي فإنّ كل أطراف الاشتباك السياسي معنيّة بلملمة آثار مرحلة الاشتباك، وإعادة ترتيب وضعها سواءٌ علاقتها مع القانون الجديد والاستحقاق الانتخابي المقبل على أساسه، أو علاقاتها السياسية التي تستوجب مراجعة نقديّة لأدائها السياسي والانتخابي في الفترة الأخيرة.
والذي أدّى الى تفسّخ علاقات بعض القوى السياسية ليس فقط مع كل الآخرين تقريباً بل حتى مع أقرب الحلفاء. وأولى خطوات هذه المراجعة تكون بالإقرار بفشل المنطق الاستفزازي وبنزول بعض الرؤوس الحامية عن شجرة التصعيد والتخلّي عن لغة نصب المتاريس.
لقد وزّع الاشتباك السياسي الضرر على كل الاتجاهات السياسية، ولكن مع التوافق على قانون النسبية ذاب هذا الضرر وصارت كل هذه الاتجاهات شريكةً بالربح من هذا الإنجاز، ومن حق بعضها أن يعتبره نصراً له أكثر من غيره، ولاسيما «حزب الله» والرئيس نبيه بري رافعاً لواء النسبية، ومن حق آخرين أن يعتبروا أنفسهم في مقدمة الرابحين وخصوصاً الرئيس سعد الحريري و«القوات اللبنانية» والنائب وليد جنبلاط، وكل أولئك الذين وُضعوا في لحظة معيّنة تحت مقصلة الإبعاد والإقصاء والإلغاء والتحجيم.
ربح التيار بالتأكيد، ومن حق العهد الذي يرفع شعار الإصلاح والتغيير أن يقول إنه أكثر الرابحين، وإنّ الرئيس ميشال عون وعد ووفى وقدم للشعب اللبناني إنجازاً وإنه سيسجّل لعهده إجراء أول انتخابات في تاريخ لبنان على أساس النسبية.
ولكن لكل هذا تكملة لا بد من الإشارة وتسليط الضوء عليها؛ هي أنّ العهد في مرحلة ما بعد القانون أمام مهمة أساسية أملتها المرحلة السابقة بأضرارها وشظاياها التي أصابت العهد مباشرة وجعلته أكثر المتأثرين منها سياسياً ومعنوياً وخلّفت ندوباً في جسمه أكثر من أيّ طرف آخر.
ولعلّ المهمة الأساس للعهد في مرحلة ما بعد القانون هي أن يكون هو «رافعة نفسه» بالشراكة والتعاون مع كل الآخرين، وكذلك استعادة الوهج الذي خفُت بريقه في فترة قياسية، جراء مقاربات انقلبت على خيارات ما قبل الرئاسة وهو ما تبدّى بالصيَغ والأفكار الإنتخابية وأيضاً جراء أداء بعض القريبين والمنطق الاستعلائي الذي اعتُمد آنذاك.
وإذا كان جعل القانون الجديد قابلاً للتطبيق يتطلب بضعة أشهر، فهذه الأشهر يُفترض أن تشكل فترةً انتقالية للعهد في اتجاه إعادة إطلاق الحيوية فيه وإعادة ترتيب البيت الحكومي وترشيق عمل الحكومة، ولإعادة ترميم العلاقات السياسية بين «التيار الوطتي الحر» والجميع، وعلى وجه الخصوص مع «حزب الله» الذي تعرّض التفاهم الموقّع بينهما وكذلك العلاقة بينهما الى اهتزازٍ عنيف يتطلّب جهداً كبيراً لإعادة نسج خيوط الثقة من جديد.
ولعلّ أولى الخطوات المطلوبة من رئيس الجمهورية بعد إقرار القانون هي المبادرة الى فتح دورة استثنائية جديدة للمجلس النيابي تستمر حتى بداية العقد العادي الثاني للمجلس منتصف تشرين الأول المقبل، فهذه خطوة لا بد منها لإعادة إطلاق عجلة التشريع وتعويض الوقت الذي ضاع فضلاً عن أنّ بنوداً ملحّة تنتظر وفي صدارتها سلسلة الرتب والرواتب.