اشتدّت الأزمة بما يكفي، فهل أتى وقت الانفراج؟
البعض قرأ في تشديد الرئيس الحريري على الأسباب الموجبة لاستقالته، محاولة متجددة لتوزين الموقف والاجراءات، تمهيدا لاستعادة الحالة الشعبية الجامعة، والبعض الآخر وجد في تشدده، ممرا إلزاميا للرجوع الى ساحة السلطة. ومن هنا كان اكتفاء هذا الفريق لتسجيل موقف مسبق. بمقاطعة المشاركة في نقل اطلالته التلفزيونية، مع ابقاء الذراعين مفتوحتين، كما كان الحال بعد اعلان الاستقالة المدوية من الرياض، لأن التعاطف الذي حظي به من جمهور هذا الفريق، بات يكبّل أصحابه.
من الحلول الممكنة، ليس في الميدان سوى حديدان الرئيس الفرنسي ماكرون: يعود الحريري الى بيروت، يقدم استقالته خطيا الى الرئيس عون، يجري الرئيس عون استشارات نيابية ملزمة، يعاد تكليفه بتشكيل الحكومة مع تصريف أعمال الحكومة المستقيلة، ولا يشكل حكومة حتى أيار الانتخابات النيابية. وبعد الانتخابات اذا حصلت، يكون أمر، فتتشكّل حكومة جديدة بمقاييس وتوازنات البرلمان الجديد، وان لم تجر الانتخابات، يكون أمر آخر، أي الاستمرار بتصريف الأعمال الى ان تخرج يخرج حرير التسوية السورية من شرنقة المقاصة الدولية…
ومن دون الحلّ السوري تحديدا، لا مجال لفتح ملف سلاح حزب الله والاستراتيجية الدفاعية، التي ربطها الرئيس عون بالحل الأوسع، أي حلّ قضية الشرق الأوسط بوجوهها المتعددة، ومع استمرارية استقلالية هذا السلاح عن سلطة الدولة، لن يهدأ المحيط العربي، ولا الداخل اللبناني، استطرادا. وغدا، اذا ما تسنّت عودة مياه الرئيس سعد الحريري الى مجاريها الحكومية، وسط تلاقي طرفي المعادلة، اللذين لم يكونون معه، وصارا الى جانبه تعاطفا، مع الذين أساسا ضدّه، انما التفّوا حوله بعد أزمة الاستقالة.
ليس ما يؤكد ان المسائل الخلافية، ستخضع للمراجعة والتصحيح، والأرجح اننا سنعود الى معادلة من ضرب ضرب ومن هرب هرب… والى دوامة الكهرباء والنفايات، والمناقصات والمزايدات، بحسب القوانين أو بالتراضي، الذي غالبا مع إرضاء القاضي.
والى هذه المشكلات الداخلية، المزمنة، ستطفو على السطح مجددا، القضايا الأكثر تعقيدا، والتي أخذت استراحة في أسبوع الأزمة الحكومية، كملف النازحين السوريين، والمطالبات بالتنسيق مع النظام السوري، من باب تعجيل عودة هؤلاء النازحين، وكأن ثمة من في القوى السياسية، يقطع عليهم طريق العودة…
ويضاف الى هاتين العقدتين، الاجراءات الخاصة بالانتخابات، وفي طليعتها الآلية الانتخابية، بالبطاقة البيومترية أو العادية أو بجواز السفر، ولا ننسى المغتربين.
واضافة على مضاف، نصل الى الوضع الاقتصادي الهائم في متاهات علاقات لبنان العربية والاقليمية، فعلى المستوى العربي، وفي ظلّ الانحراف السياسي عن الخط اللبناني التقليدي الموصول بدول مجلس التعاون الخليجي، الداعم الرئيس للاقتصاد اللبناني، على اختلاف وجوهه، لاعتبارات ومحاذير، تبدو صورة المستقبل أقلّ
وضوحا من أي وقت، وحتى في زمن الاجتياح الاسرائيلي، إذ هناك منابع جفّت، وأخرى معرّضة للجفاف، واذا لم تعدّل الخيارات وتصحح المسارات، لن يصلح الحال.
وبالطبع ما يؤكده حاكم مصرف لبنان المركزي عن صلابة موقف الليرة اللبنانية تجاه الدولار واضح وجلي، لكن ليس كل الفضل للقدرات الذاتية، كما تعمّم الانطباعات، بل لا بد من لفت الانتباه الى الدولار السياسي الظرفي المتدفق من غير مجاريه التقليدية، والذي ساهم حتى الآن، في تثبيت مركز الليرة، تجميلا لصورته الظاهرة بالأسود والأبيض وحسب…
وتقول الأمثال ساقية مستمرة ولا نهر يجفّ، لكن ماذا لو ان الساقية المستمرة، بحجم بحر؟…