IMLebanon

أبعد من دروس  الانتخابات البلدية

ليس أهم من دروس المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية سوى جدّية التعلم منها. لا فقط حيال دلالات النسبة الضعيفة للاقتراع في بيروت برغم تعدّد الخيارات هذه المرة بل أيضاً حيال الحاجة الى إنهاء جدل تجاوزه العصر حول ثنائية أحزاب – عائلات. ولا فقط بالنسبة الى واقع البلد والبلديات فيه بل أيضاً بالنسبة الى الاصرار على سوء القراءة في الوقائع المحلية كما في الأحداث الاقليمية. فالكل أوحى بسرعة قياسية ان الرسالة وصلت. والكل يعرف ان المطلوب ليس تسلم الرسالة بل الأخذ بها لمراجعة المواقف في وقفة مع النفس ثم مع الحليف والخصم.

لكن من الصعب تصوّر أمراء الطوائف يتواضعون ويقومون بعملية نقد ذاتي. فهم يتصرفون كأنهم أشباه آلهة، وان كشفت تجربة المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية ان اللبنانيين يستحقون دولة ديمقراطية، في حين ان التركيبة السياسية لا تستحق سلطة. والناس تعرف اننا لم نكن في حاجة الى إجراء انتخابات بلدية لكي نتذكر الانتخابات الرئاسية والنيابية الضائعة في ديمقراطية الخوف من الانتخابات. فليس صحيحاً ان الاعتبارات الأمنية هي التي حالت دون الذهاب الى الانتخابات النيابية في موعدها. ولا أن ما قاد الى الشغور الرئاسي هو ارتباط الوضع اللبناني بأوضاع المنطقة وحروبها التي لم تمنع اجراء انتخابات رئاسية ونيابية في سوريا بعد العراق.

الصحيح أن بين الأمراض التي يعانيها لبنان واحداً اسمه ثقافة التمديد. فالمنطق الوطني والديمقراطي والدستوري يقضي بأن تكون القاعدة هي: لا شيء يمنع حصول الانتخابات في مواعيدها. والمنطق السياسي الذي تحكمه ثقافة التمديد يرى أن أي شيء يمكن أن يحول دون اجرائها. وليس الخلاف المستمر منذ ثماني سنوات على اعداد قانون انتخاب سوى عنوان للاتفاق على الهرب من الانتخابات بالتمديد للمجلس. وليس ابقاء الجمهورية بلا رئيس منذ نحو عامين خطوة تاكتيكية في انتظار تطورات المنطقة بمقدار ما هو قرار كبير مرتبط بالقتال من اجل مشروع اقليمي يقود نجاحه، بصرف النظر عن نسبة الخطأ والصواب في الحسابات، الى وضع جديد في لبنان، لا الى مجرد رئيس جديد.

والحد الأدنى لبدء التفكير في معالجة الوضع الخطير الذي وصلنا اليه هو الخروج على ثقافة التمديد. فلا سياسة خارج مشروع الدولة. ولا ديمقراطية من دون الحفاظ على دورية الانتخابات. ولا معنى للانتخابات ان لم يتقدم التنافس على التوافق الذي هو اسم مستعار للمحاصصة.

وما أكثر العبر وأقل الاعتبار كما قال الإمام علي بن أبي طالب.