IMLebanon

أبعد من خلاف المتفقين على عودة النازحين

موضوع النازحين السوريين أشد تعقيداً من مقاربته بالمزايدات والمناورات. وهو أخطر من توظيفه في خدمة أهداف محلية وإقليمية تتجاوز مصلحة لبنان وحق النازحين في العودة الى سوريا. فالعوامل المختلفة المتداخلة في الموضوع تجعله بالغ الحساسية: التحديات الأمنية، مخاطر تسلل الإرهابيين الى المخيمات وسواها، العبء الاقتصادي والمالي والاجتماعي والتعليمي والصحي، المنافسة في الأعمال، التخوّف الديموغرافي، والواجب الإنساني والأخوي. والكل يعرف، بصرف النظر عن الفوضى التي رافقت دخول النازحين وتوزّعهم على المناطق، أن النزوح ليس نتيجة كارثة طبيعية، بحيث تصبح العودة أوتوماتيكية بعد ترتيب الأمور والبنية التحتية.

ذلك ان حرب سوريا التي دفعت حتى الآن ثمانية ملايين مواطن الى النزوح داخل سوريا وستة ملايين الى لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر وأوروبا كلاجئين صارت حرباً إقليمية بإدارة دولية. وهي سخرت من كل الرهانات على انتهائها في أسابيع أو شهور أو سنوات قليلة وعلى انتصارات لهذا الطرف أو ذاك، كما على حسابات إعادة الإعمار وعودة النازحين. فضلاً عن أن سوريا صارت حقل رماية حرّة، بحيث طغى على السوريين عشرات أو مئات الآلاف من المندفعين الى القتال ضمن جيوش وميليشيات اقليمية ودولية.

وليس الخلاف بين المتفقين على الدعوة الملحة الى عودة النازحين حول التنسيق مع دمشق أو الاتكال على الأمم المتحدة سوى تعبير عن الانقسام السياسي في لبنان حول المواقف من حرب سوريا وصراع المحاور والمشاريع من خلالها. ولا أحد يقطع الشك باليقين في احتمال التوافق في مجلس الوزراء على موقف رسمي واحد من عودة النازحين وخارطة الطريق اليها. فالمجلس محكوم بالعمل ضمن اعتبارين مختلفين: أولهما الانقسام السياسي الحاد الذي لا يزال يأخذ طابع ٨ و١٤ آذار، بصرف النظر عما حدث لتلك القوى. وثانيهما التسوية السياسية التي أنتجت رئاسة الجمهورية والحكومة وقانون الانتخاب. لكن المؤكد هو ان الاتفاق على موقف واحد شيء، والبحث عن حلّ شيء آخر. والظروف والوقائع والحسابات العملية تتجاوز التنسيق مع دمشق والاتكال على المنظمة الدولية.

ذلك ان السؤال لم يعد ان كان لبنان يمارس بالفعل سياسة النأي بالنفس عن الصراعات والنيران المشتعلة في سوريا والمنطقة. فهو في الأساس سؤال عالم افتراضي ما دام حزب الله يلعب دورا مهمّا في حرب سوريا وصراعات المنطقة. السؤال الملحّ حاليا هو: الى أي حدّ نستعد لمواجهة انعكاسات الحرب والصراعات علينا، والتي لا مجال للنأي بالنفس عنها، وهي تتعدّى موضوع النازحين.