قمم الرياض فرضت الاستراحة الانتخابية في بيروت، رهانا على بلورة الاتجاهات الانتخابية بما هو أكثر وضوحا، على ضوء مقررات تلك القمم، وهو ما يفترض ظهور مؤشراته، اعتبارا من منتصف هذا الأسبوع، على الأبعد…
وبالطبع ليس شرطا ان يكون كل جديد مفيدا، لأن ما كان مطروحا قبل هذه القمم، يصبح خارج التداول بعدها، وما كان مقبولا قبلها، يصبح مرفوضا بعدها، استنادا الى المعطيات المستجدة.
واللافت ان مهلة الشهر التي وفّرها تأجيل الرئيس ميشال عون للجلسة التشريعية انقضت، من دون الاستفادة منها، كما يجب، ان بالتوافق على قانون انتخابات، أو على موعد قريب لهذه الانتخابات، قبل انقضاء الأيام المتبقية من عمر ولاية المجلس النيابي.
ويبدو ان ما تعذر التوافق عليه طوال الأشهر المنصرمة من عمر العهد، يستحيل تحقيقه ببضعة أيام، بدليل استمرار لعبة شدّ الحبل بالصوت التفضيلي بين ان يكون على الأساس الطائفي، كما يريده الوزير جبران باسيل، أو بدون القيد الطائفي، كما يرغب الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، اضافة الي الكباش المحموم، بين المشروع التأهيلي الذي يتمسّك به الوزير باسيل، والنسبي على الدوائر الوسطى، كما يفضّل الطرف الآخر.
وواضح ان استمرار هذه التجاذبات يخدم قانون الستين، الذي تبدو كل الدروب مؤدية الى طاحونته، وعندما نقول الستين، في غياب البديل الأفضل، يصبح الفراغ النيابي هو البديل المحتوم.
الرئيس بري على صمته، ومثله النائب وليد جنبلاط، الذي أعلن الصمت الاعلامي منذ أسبوعين متجنبا الحرب الباردة القائمة. لكنه كما الرئيس بري، على مواقفهما المعلنة مع النسبية الممكنة، وضد التأهيلي، واللقاء في ٢٩ أيار…
من جهته حزب الله يرى الأمور ذاهبة باتجاه القانون النافذ، ومن هنا قول النائب محمد رعد ان على الذين يطرحون شعار الهرب من قانون الستين، عدم العودة الى هذا القانون… وربما قصد في كلامه هذا، مجموعة القوى التي بالغت وتبالغ في شيطنة هذا القانون النافذ، فيما هي تتضرّع الى السماء، بأن لا يوفّق الساعون، الى ما هو غيره…
الحزب، كما الرئيس بري، يعتبر ان كل القوانين خير من الفراغ، الذي يدخل لبنان في دائرة المخاطر والمنزلقات، كما يقول النائب رعد، مع لفت من يعنيهم الأمر، الى ان الفراغ اذا أصاب السلطة التشريعية، فانه لا يبقى أية مؤسسة دستورية عاملة، والمقصود هنا الحكومة وما أبعد من الحكومة…
البطريرك بشاره الراعي، ملّ قراءة المزامير الانتخابية المقرونة بتشجيع القوى السياسية على التوافق والتفاهم تجنبا للغرق في بحر الفراغ التشريعي الواسع. ولهذا، تحوّل أمس الى مطالبة هذه القوى، العاجزة عن تشريع قانون جديد للانتخابات، بالالتفات الى ما يحتاجه المواطنون، مصارحا الجميع بأن الشعب اللبناني لم يعد مطمئنا، بل يعيش في حالة اضطراب، وهو بحاجة الى سلام سياسي وسلام اقتصادي وسلام أمني، وكأنه يقول للطاقم السياسي، الفشل في إعداد قانون الانتخابات، لا يبرّر الفشل في معالجة أمور الناس الأخرى، وهو ما يحاكي القول: اذا لم تستطع أمرا، تجاوزه الى ما نستطيع…
الكل في لبنان بانتظار غودو… وغودو منذ يومين في الرياض، ولم يطل صدور القرارات: تغيير المعادلات الاقليمية القائمة، واعادة كلّ الى حدوده السياسية، والجغرافية، وبالذات ضبط الانفلاش الايراني على الرقعة العربية، باسم الدين تارة، وباسم تحرير فلسطين أخرى…
أما على الصعيد اللبناني، فموقف وفد لبنان الى القمة، التزم بما هو متوافق عليه، لكن القلق الذي يسكن الجميع الآن، هو على مرحلة ما بعد عودة الخيول الى مرابطها الأساسية، إذ ثمة أطراف دبلوماسية تدعو اللبنانيين للقراءة في صفحة النوايا والحسابات الاسرائيلية اللاحقة بامعان…