ليس غريبا أن تتسابق روسيا وأميركا وايران على اعلان النصر على داعش. لا بالنسبة الى سعي كل طرف لتكبير دوره في محاربة الارهاب، ولا بالنسبة الى تبادل الاتهامات بينها حول دعم داعش أو حمايته. فهذا من طبائع الأمور في ادارة الألعاب الجيوسياسية بين الخصوم أو المتنافسين أو الحلفاء. واللعبة في العراق وسوريا كبيرة جدا، بحيث تمتد انعكاساتها الى النظام الاقليمي والأدوار والحصص في النظام العالمي.
الغريب هو المسارعة الى توزيع الأرباح قبل ان تنتهي اللعبة، بصرف النظر عن الكلام على انجاز المهمة. والمفارقة هي إنكار كل طرف فضل الارهاب عليه لجهة الحظوظ التي فتحها أمامه والخدمة التي قدمها لخطته، مع معرفة الرابحين بمدى ما يخسرونه من خسارة عدو مثل داعش. فلولا داعش لما عادت أميركا بقوة الى العراق وانخرطت مباشرة الى جانب الكرد وبعض المعارضة في سوريا. ولولا داعش لما تمكّنت ايران من الانخراط المباشر وعبر وكلاء في معارك العراق وسوريا، وبالتالي من ان تضمن فتح الطريق أمام المحور الممتد من طهران الى بيروت.
ولولا داعش لما كان من السهل على روسيا أن تنخرط بقوة في حرب سوريا وتستعيد من خلالها دور القوة الاقليمية والعالمية التي باتت شراكتها ضرورية لأميركا في ترتيب النظام الاقليمي والعالمي. وكيف كان يمكن تغيير طابع الصراع في سوريا من دون خطر داعش وجعل كل شيء في اطار الحرب على الارهاب؟ وكيف كان من الممكن أن تلعب تركيا أكثر من دور أحدثها دخول قواتها الى سوريا لاحتواء الكرد بحجة الحرب على داعش الذي ساهمت في مساعدته الى جانب دول أخرى في المنطقة؟
الكل يتحدث عن مرحلة ما بعد داعش، وليس هناك شيء اسمه ما بعد داعش. فما انتهى هو دولة الخلافة الداعشية التي خسرت ما سيطرت عليه من مدن وبلدات في العراق وسوريا ومن جرود في لبنان. والمرحلة الفعلية هي ما بعد دولة الخلافة. أما داعش كتنظيم قادر على القيام بعمليات ارهابية، فانه باقٍ. ومحاربته بقوى أجنبية وقوى اقليمية مذهبية تقود الى ظهور تنظيمات أكثر وحشيّة من داعش.
واذا كان وزير الدفاع الأميركي الجنرال جيمس ماتيس يرى ان داعش هرم بلا قاعدة لأن أسفل الهرم يهرب، فان الواقع هو ان داعش في الوضع الحالي قواعد منتشرة ونائمة في غير مكان، سواء كان لها رأس أو لا. وليس أمرا بلا دلالات، وسط اعلانات النصر، ان يكون السؤال الذي بلا جواب هو: أين قادة داعش والخليفة البغدادي؟