تضطلع القوات الأميركية المعنية بالعمليات الخاصة المشاركة في سوريا بكثير من المهام٬ في إطار الحرب ضد تنظيم «داعش»٬ حيث تتولى جمع معلومات استخباراتية٬ وبناء علاقات مع مجتمعات محلية٬ والمعاونة في تحديد أهداف من أجل الضربات الجوية٬ وتدريب قوات محلية على الأرض وتقديم النصح لهم. إلا أن الأمر الوحيد الذي يتعّذر عليها فعله٬ هو الدخول إلى نطاق نيران العدو.
وقد أخبرني أربعة مسؤولين عسكريين أميركيين أن قرابة 300 جندي أميركي من القوات الخاصة٬ يعملون داخل سوريا في ظل قواعد اشتباك بالغة الصرامة. ونظًرا للسرية الشديدة المفروضة على هذه القواعد٬ طلبت هذه المصادر عدم الكشف عنها.
والملاحظ أن القواعد القائمة٬ والمعروفة باسم «الغطاء الأخير والتخفي»٬ تعتبر بالغة التقييد٬ مقارنة بما كان عليه الحال مع مهام العمليات الخاصة في الحرب ضد الإرهاب قبل عام 2014 .وقد سمحت هذه القواعد لقوات العمليات الخاصة الأميركية بالقتال إلى جانب القوات المحلية التي تتولى تدريبها. وتبًعا لما ذكره أحد الضباط العسكريين٬ فإن قواعد الاشتباك بسوريا يمكن إيجازها في: «لا تتعرضوا لإطلاق النار».
ومع ذلك٬ أخبرني مسؤولون آخرون بوزارة الدفاع أن قوات العمليات الخاصة الأميركية سمح لهم بالدفاع عن أنفسهم٬ إذا ما تعرضوا لإطلاق نار٬ لكنهم أكدوا أن القوات لا تشارك في مهام هجومية. في هذا الصدد٬ قال ميجور أدريان جيه. تي. رانكين غالواي٬ المتحدث الرسمي باسم مكتب وزير الدفاع٬ إن «مهمتنا بالعراق وسوريا تتمثل في تمكين القوات المحلية من هزيمة تنظيم داعش٬ من خلال توفير الدعم الجوي والاستخباراتي والتدريب والمعدات. وتملك قواتنا دوًما حق الدفاع عن نفسها٬ لكنها لا تشترك بصورة مباشرة في العمليات القتالية الهجومية».
على الجانب الآخر٬ تحمل قواعد الاشتباك الحالية في سوريا ببعض جوانبها تشابهات مع القيود التي فرضت على القوات الأميركية للعمليات الخاصة في السلفادور٬ خلال ثمانينات القرن الماضي. كانت القوات الأميركية قد عملت داخل هذه الدولة الصغيرة على معاونة القوات الحكومية لمكافحة التمرد٬ لكن لم يسمح لها بالمشاركة في المعارك بجانب القوات التي تتولى تدريبها.
من ناحيته٬ أخبرني روجر كارستينز٬ لفتنانت كولونيل سابق بالقوات الأميركية الخاصة٬ وشارك في تدريب قوات محلية بالعراق وأفغانستان٬ أن ثمة أسباًبا وجيهة مرتبطة بميدان القتال تسمح للمستشارين العسكريين بالقتال إلى جوار القوات التي يتولون تدريبها. وأضاف: «إنهم يكسبون بذلك شرعية ومصداقية٬ ويكشفون أمام القوات أنهم يشاركونهم المخاطر ذاتها».
في المقابل نجد أنه من بين الفوائد المترتبة على الالتزام بقواعد مقيدة في الاشتباك٬ أن وزارة الدفاع الأميركية لم تضطر حتى الآن للاعتراف بسقوط أي من جنود القوات الخاصة التابعة لها في سوريا في أي قتال. جدير بالذكر أن ثلاثة فقط من هذه القوات لقوا مصرعهم في قتال منذ إطلاق الرئيس باراك أوباما حربه الجديدة ضد «داعش» منذ عامين. وسقطوا جميًعا بالعراق.
وفي حديثه معي٬ قال كارستينز: «إذا نظرت إلى الأمر من منظور الجندي٬ ستجد أنه من المفيد دوًما المشاركة في المخاطرة مع من تتولى تدريبهم٬ لكن مثلما يذكرنا كارل فون كلوزويتز٬ فإن الحرب عمل سياسي٬ وأحياًنا يبدو ما هو منطقي للجندي الأميركي أو حتى للقائد التكتيكي أو قائد العملية٬ يظهر مجافًيا للمنطق على المستويين الاستراتيجي والسياسي لأسباب جمة».
بالنسبة لأوباما٬ فإن حربه الجديدة في سوريا والعراق من الصعب عدم الالتفات إليها٬ خصوًصا أنه ظل يتباهى حتى عام 2014 بأنه يضع نهاية للحرب التي بدأها سلفه. في المؤتمر الصحافي الأخير بدأ أوباما داخل البنتاغون بعرض أحدث الأنباء بخصوص القتال في ليبيا والعراق وسوريا. والمؤكد أن من سيخلفه في البيت الأبيض سيرث هذه الحروب. وستعود مسألة تحديد ما إذا كان ينبغي على الأميركيين الذين يتولون تدريب قوات محلية على قتال المتطرفين٬ المشاركة معهم في القتال أم لا٬ إلى الرئيس القادم.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»