دخلت مزايدة مواقف المطار في نفق الفساد ولم تخرج منه بعد. بدأت مع تفصيل دفتر الشروط على قياس شركة VIP، ثم تفصيله على قياس شركة الخرافي، الملتزم الحالي. الغيت الجولة الاولى، فيما صدر قرار من قضاء العجلة لدى مجلس شورى بالغاء الجولة الثانية… تفيد المعلومات ان وزارة الاشغال العامة تتجه الى استئناف القرار القضائي ليبدأ فصل جديد من هذه الحكاية
عندما وضعت وزارة الأشغال العامة دفتر شروط مزايدة تلزيم مواقف مطار بيروت الدولي، سجّلت إدارة المناقصات أكثر من 40 ملاحظة أساسية عليه. يومها لم تأخذ الوزارة بمعظم هذه الملاحظات، بل أغرقت دفتر الشروط ببنود فنية على حساب السعر، من دون أي مبرّر يوضح اسباب هذه البنود في مزايدة هدفها تشغيل مواقف المطار وجني عائدات للخزينة منها.
في الحصيلة، لم يعد السعر يمثّل سوى 50% من العلامات المنصوص عنها في دفتر الشروط، فيما الـ50% الثانية هي للبنود الفنية، ما أوحى بأن اهتمام وزارة الأشغال العامة لم يكن يركّز على إدخال أكبر عائد ممكن إلى الخزينة بل تمهيد الطريق لفوز شركة ما على الشركات الاخرى المشاركة في المزايدة. بحسب مطلعين على ملف المزايدة، فان ادارة وتشغيل مواقف سيارات لا تحتاجان الى خبرة دولية في إدارة مواقف مطارات في العالم، وبالتالي لا يعدو هذا الشرط الا كونه طريقة لاستبعاد شركات كانت تنوي المشاركة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يكن هناك حاجة لكي تحمل الشركة المتقدمة شهادة “فاليه باركينغ” أيضاً، وكذلك كان يمكن اعتبار حجم الأعمال للمشاركين محسوباً على مجموعة شركاتهم لا على الشركة التي تعمل في إدارة المواقف فقط، لان المطلوب في النهاية أن يكون لدى الشركة المتقدّمة الملاءة المالية الكافية فقط!
ما حصل في فضّ العروض في الجولة الأولى كان فضيحة بحدّ ذاته، إذ إن لجنة التلزيم في إدارة المناقصات امتنعت عن فضّ بعض العروض لأسباب شكلية بسيطة جداً (كأن تكون براءة الذمة الصادرة عن الضمان موجّهة لهيئة إدارة السير بدلاً من ان تكون موجّهة لوزارة الأشغال، علماً أن المطلوب هو براءة الذمة ولا يتغيّر مضمونها سواء كانت موجّهة إلى هذه الجهة أو تلك)… النتائج جاءت لمصلحة شركة VIP التي كان فوزها متداولاً مسبقا، وجرى الحديث عن وضع دفتر الشروط على قياسها من قبل وزارة الاشغال العامة.
بعد اعلان فوز شركة VIP، استدعى الرئيس نبيه برّي مدير المناقصات جان العليّة وسأله عن الشفافية في هذه المزايدة، فأوضح العليّة أن ملاحظاته على دفتر الشروط لم يؤخذ بها. عندها طلب بري عدم الموافقة على نتائج لجنة التلزيم وإعادة صياغة دفتر الشروط مجدداً. بعض المتابعين فسّروا طلب برّي على انه تدخّل لمصلحة شركة المرافق اللبنانية المملوكة من آل الخرافي، التي خسرت في الجولة الأولى من المزايدة. إلا أن آخرين فسّروا الأمر على أن الرئيس بري لم يكن راضيا على تفرد وزارة الاشغال العامة في منح المنافع المتصلة بفوز شركة VIP. إلا أنه في الحالتين، لم تذهب إعادة صياغة دفتر في اتجاه تعديلات جذرية، بل بقيت ضمن الحدود السابقة التي تعطي نصف العلامات للشروط الفنية والنصف الاخر للسعر مع بعض التعديلات على طريقة وضع العلامات الفنية، بما يعدّل قليلاً في النتيجة لمصلحة شركة اخرى شركة VIP.
هذه التعديلات على طريقة وضع العلامات الفنية جاءت لمصلحة شركة الخرافي على نحو واضح جداً، اذ انها الشركة الوحيدة التي تمكّنت من الحصول على العلامات الفنية الكاملة، فيما كان سعرها ثاني أعلى سعر بعد السعر الذي وضعته شركة BPC (انظر الجدول)، اي السعر الذي يمثل عائدات الخزينة العامة.
لكن المشكلة لم تكن محصورة بآلية وضع العلامات، اذ اصدر مجلس شورى الدولة قراراً يقضي بالغاء المناقصة أو إعادتها بعد تأمين الشفافية والمنافسة. هذا القرار لم يبلغ وفق الأصول لوزارة الأشغال ولا لإدارة المناقصات، فاستكملت عملية فضّ عروض المزايدة بناء على طلب وزير الاشغال غازي زعيتر على الرغم من اعلان مضمونه عبر وسائل الاعلام. وأُعلن فوز شركة المرافق اللبنانية، أي شركة الخرافي، ما أثار موجة من ردود الفعل.
أين أصبحت هذه المزايدة؟ نتائج فضّ العروض أرسلت من إدارة المناقصات إلى وزارة الأشغال، التي تبلغت في الوقت نفسه قرار مجلس شورى الدولة وفقا للاصول، وبالتالي باتت أمام خيارين: امّا إهمال قرار مجلس شورى الدولة وإرسال الملف إلى ديوان المحاسبة للحصول على الموافقة المسبقة عليه، واما استئناف قرار مجلس شورى الدولة وتجميد الملف في انتظار النتيجة النهائية التي سيبنى عليها قرار السير بالتلزيم أو عدمه. وبحسب المعطيات المتداولة في وزارة الأشغال، فإنها ستطلب من هيئة القضايا في وزارة العدل استئناف القرار وتجميد عملية ترسية التلزيم في انتظار النتيجة النهائية.
وبحسب مصادر قانونية، فإن هناك ثغراً كبيرة في القرار الصادر عن القاضي زياد أيوب في مجلس شورى الدولة. في الشكل فإن الطعن مقدّم أمام مجلس شورى الدولة لا أمام قضاء العجلة، فيما هذا الأخير هو الذي صدر عنه القرار. كذلك تبيّن أن ردّ الدولة على الطعن يشير إلى أن مجلس شورى الدولة ليس صاحب اختصاص في البحث في دفاتر الشروط بل الأمر يعود إلى ديوان المحاسبة حيث تدرَس دفاتر الشروط ومدى مطابقتها للاصول والاجراءات القانونية، ويُبحث في موضوع الوفر على الخزينة… لا بل إن هناك رأيا قانونيا في هيئة القضايا في وزارة العدل يشير إلى أن للإدارة (وزارة الأشغال) صلاحية استنسابية في وضع دفتر الشروط، وبالتالي فإن الرقابة القضائية يجب أن يمارسها ديوان المحاسبة، فضلا عن رقابة الحكومة والبرلمان اللبناني على الوزير الذي يضع دفتر الشروط.
في الواقع، فإن طريقة التعامل مع هذا الملف خارج الأطر المؤسساتية والقانونية جعلته ضعيفاً وهشّاً وقابلاً للخرق من الجهات السياسية، التي تريد تمرير المشروع لهذه الشركة أو تلك. وهذا يتلاءم تماماً مع ما حصل في الجولة الأولى من المزايدة والجولة الثانية أيضاً.
وقائع يوم فضّ العروض
عند الساعة 9.30 من صباح يوم الاثنين 4 تموز 2016، أي صبيحة يوم فضّ عروض مزايدة تلزيم أشغال إدارة واستثمار مواقف للسيارات في مطار بيروت الدولي، ورد إلى التفتيش المركزي ــ إدارة المناقصات، كتاب من وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر، يقول فيه “إن الوزارة لم تتبلغ لتاريخه المراجعة المقدمة لدى مجلس شورى الدولة بالموضوع، ونظراً لأهمية وضرورة إنجاز ملف التلزيم لتأمين عمل المرفق العام، التفضل باتخاذ التدابير المطلوبة لاستكمال إجراءات المزايدة بموعدها المحدّد بتاريخ 4/7/2016”.
صحيح أن وزارة الأشغال لم تتبلّغ قرار مجلس شورى الدولة، إذ تبيّن لمصادر مطلعة أن المدّعي، شركة vip، لم تبلغ الوزارة نسخة صالحة للتنفيذ عن قرار مجلس شورى الدولة القاضي بإلغاء المناقصة بسبب جهلها بالإجراءات الواجب اتباعها. واللافت، أن القاضي المعني بهذه القضية، أبلغ أكثر من جهة أن قراره بإلغاء المناقصة لم يستند إلى حيثيات قانونية، بل سببه التفصيل في دفتر الشروط الذي لا يقع من اختصاصه.