Site icon IMLebanon

بايدن لا يحكم أميركا!!  

 

 

عنوان مثير جداً، يفرض على القارئ تساؤلات عدة، أولها: كيف أنّ رئيس الولايات المتحدة الاميركية، أعظم وأغنى دول العالم، والتي تتحكم بمفاصل الأمور كلها، لا يحكم «دولته»…

 

أعود فأكرر، رغم الدهشة التي قد تصيب البعض، نعم رئيس أميركا لا يحكم دولته… وبالتالي فإنّ بايدن الرئيس الجديد، لا يحكم بلاده، ولن يحكمها بالتأكيد. وللدلالة على ما قلته، أبدأ بالرئيس باراك أوباما، الذي أثار بوصوله الى رئاسة أميركا، حملة تساؤلات، ليس أولها أنه أول رئيس أسود من أصول افريقية، حتى أنّ البعض ذهب أبعد من ذلك، فذكّر بأصله الاسلامي وبنى الكثيرون آمالاً، عقدوها على مجيء أوباما، وتهيّأ لهم أنه «سيشيل الزير من البير»، وأنه سيرسم خطّاً سياسياً، يختلف جذرياً عن خط الرئيس الذي سبقه جورج دبليو بوش الإبن… وترقّب المتابعون مسيرته، متسائلين عما سيكون موقفه من دولة إسرائيل «الباغية»… وهل سيتخذ موقفاً منصفاً للعرب، أم انه سيتابع تنفيذ السياسة الاميركية المنحازة لدولة إسرائيل، فماذا حصل؟

 

تبيّـن للجميع أن شيئاً لم يتغيّر، وأنّ سياسته ظلّت منحازة لإسرائيل… بل على العكس تماماً، انحاز أكثر وأكثر للدولة العبرية.. ويقال إنّ زوجته كانت تعمل في مكتب محاماة يهودي، وكانت متأثرة جداً باليهود، منحازة إليهم انحيازاً كاملاً.

 

وفي عهد أوباما، استمرت المفاوضات بين إيران ودول الـ(5+1)، عشر سنوات، من دون نتيجة، لأنّ القرار الاميركي الصادر من «إدارته» يريد ذلك… وهكذا انتهى عهد أوباما… من دون أن يفعل شيئاً، مما كان يحلم به «الحالمون».

 

وجاء بعده «البطل المغوار» دونالد ترامب، إشارة الى أنه قبل وصوله الى الحكم، هدّد وتوعّد، فصال وجال وكأنه «عنترة زمانه»، و»فلتة» عصره الذي لا يجارى.

 

اتخذ ترامب قرارات هي بمضاعفة العقوبات على إيران، فكان أشد قسوةً، ظاناً أنه سيجعل إيران أكثر رضوخاً، لأنّ العقوبات عليها كانت أشدّ إيلاماً.

 

ولنقارن بين عهده وعهد أوباما… ففي عهده -عهد العقوبات المؤلمة، صارت إيران أشد فقراً، وتراجع الوضع الاقتصادي فيها تراجعاً لافتاً… هكذا ظنّ ترامب أنه فاز بما كان يفعله، وإذا بإيران تتمدّد بالسيطرة على عواصم عربية أربع هي دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء، تمدّدت بفضل المال الذي تغدقه على الموالين لها، فوضعت «يدها» العسكرية على العراق فتركت العراق دولة فقيرة، ترزح تحت الديون… والعراق كما يعلم الجميع دولة نفطية، نهب الايرانيون مال نفطها هذا، يتحكم في هذا البلد العربي قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الايراني، ما أدّى الى عجز كبير في ميزانية الدولة، وبات العراق بحاجة الى أربع مليارات ونصف المليار من الدولارات، فالخزينة خاوية، وهو في أمسّ الحاجة الى هذا المبلغ لدفع رواتب موظفيه، وعناصر جيشه وأمنه… فمَن يصدّق ذلك؟!!

 

نعم… ظلت إيران في عهد ترامب، تغطّي مشروع التشيّع في الوطن العربي بمليارات الدولارات توزّع ما بين «حزب الله» اللبناني (مليار دولار)، و»الحشد الشعبي» في العراق (نصف مليار)، وتدفع رواتب الحوثيين، وثمن الأسلحة التي توزّعها على كل هؤلاء بهدف تنفيذ مشروع التشيّع الذي أشرت إليه.

 

وهنا أتساءل: هل أعطت العقوبات التي فرضها ترامب ثمارها؟ وهل نجح في كبح جماح إيران؟ بالتأكيد هو لم ينجح في ذلك.

 

كما أذكّر بزيارة ترامب للسعودية ودول الخليج، حيث استقبل استقبالاً حاراً، وكُرّم تكريماً لم يحصل في التاريخ، ظناً من العرب، أنّ الرئيس الزائر، سيعمل على حل أزمة الفلسطينيين… فماذا حدث أيضاً؟

 

حدث العكس تماماً:

 

أولاً: اعترف ترامب بالقدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل.

 

ثانياً: أيّد ضم إسرائيل للجولان، واعتبره جزءًا من أراضي الدولة العبرية، لا يحق لسوريا المطالبة به…

 

ثالثاً: لم يفعل شيئاً بالنسبة للفلسطينيين، ولم يضغط على إسرائيل، لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وقد ذهب ترامب الى أبعد من ذلك كله، أخاف عرب الخليج، خصوصاً دولة الإمارات العربية المتحدة من إيران، وأوهمها أنّ عدوّها الحقيقي هو إسرائيل فلتُطَبّع معه، تأمن جانبه وتسلم.

 

وأخاف السعودية من اليمن وصواريخ الحوثيين، ومن إيران صاحبة التمويل والإمداد… وجاءت الإستفزازات الايرانية في الخليج تدعم توجهّه:

 

أ- من خلال إطلاق الحوثيين صواريخ باليستية، وطائرات مسيّرة، واستهداف الرياض، ومنشآت النفط السعودية والمطارات، وإرسال زوارق محمّلة بالمتفجرات، لتعرقل ناقلات النفط في الخليج.

 

ب – التهديد الدائم لدول الخليج في البحر الأحمر.

 

جـ – تحوّلت الحديدة الى مركز عسكري للحوثيين، للإعتداء على المملكة العربية السعودية وإطلاق الصواريخ على أراضيها.

 

وأختم بالتساؤل نفسه… من يحكم أميركا حقاً، هل هو رئيس الجمهورية فيها؟ بالتأكيد لا.

 

إنّ الحكم هو بيد إدارة الرئيس أو المؤسسة الموجودة في الحكم (establishment). اما الرئيس نفسه، فإنه لا يقدّم ولا يؤخر.

 

إنّ كلامي موجّه بالدرجة الأولى الى أولئك الذين بدأوا يحلمون بما سيفعله بايدن «الرئيس الجديد».

 

إنهم واهمون حتماً… وأقول لهم: لا تضيّعوا وقتكم بالسعي وراء سراب… فالقافلة الاميركية تسير كما تشاء سفينة «الإدارة الحاكمة».