IMLebanon

أميركا تدفع ثمن تردّدها … إسرائيليا وإيرانيا!

 

 

يبقى أهمّ ما في موضوع الحروب التي تشنها «الجمهوريّة الإسلاميّة» في موازاة حرب غزّة، المستمرة منذ ما يزيد على أربعة أشهر، طبيعة الرد الأميركي على هذه الحروب الإيرانيّة التي تشّن بالواسطة. هل تمتلك أميركا قدرة الردّ على إيران أم لا؟ هل لديها مثل هذه النيّة… أم هدفها تمرير الوقت، ليس إلّا، لأسباب داخلية أميركية مرتبطة بإنتخابات الرئاسة التي يخوضها جو بايدن في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل؟

 

لا يزال السؤال الكبير مرتبطا، إلى يومنا هذا، بما إذا كانت إدارة جو بايدن تمتلك إستراتيجية واضحة تأخذ في الإعتبار أنّ إيران متفقة ضمنا مع إسرائيل على استمرار حرب غزّة. يراهن رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتانياهو، الذي لا هدف له سوى إنقاذ إنقاذ مستقبله السياسي وهو مستقبل بات خلفه، على نهاية حرب غزّة لمصلحة إسرائيل. يراهن في الواقع على تدمير غزّة عن بكرة أبيها في غياب القدرة على تحقيق انتصار ساحق ماحق على «حماس» التي كانت، عبر شنّها هجوم «طوفان الأقصى»، وراء إندلاع حرب غزّة يوم السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي… وهي حرب ألحقت في يومها الأوّل بإسرائيل أكبر هزيمة منذ قيامها في العام 1948.

 

من هنا، ليس أمام «بيبي» من خيار غير إطالة حرب غزّة. في المقابل، تعتقد إيران أن ورقة حرب غزّة مفيدة بالنسبة إليها نظرا إلى أنّها تمكّنها من امتلاك ورقة توسيع هذه الحرب، إن عبر تهديد الملاحة في البحر الأحمر أو عبر جبهة جنوب لبنان أو جبهات أخرى على طول الحدود بين العراق وسوريا من جهة والأردن من جهة أخرى. من هنا أيضا، لا مانع لدى إيران في متابعة الحرب، خصوصا أن الثمن يدفعه الفلسطينيون واليمنيون والعراقيون والسوريون… وأنّ هدفها النهائي إقناع إدارة بايدن بعقد صفقة معها بصفة كون إيران القوّة المهيمنة في الشرق الأوسط والخليج وما هو أبعد منهما.

 

ردت الولايات المتحدة، في ضوء مقتل ثلاثة من عسكرييها في هجوم شنته مجموعة عراقية تابعة لـ»الحرس الثوري» الإيراني، بضربات استهدفت مواقع لمجموعات عسكريّة في العراق وسوريا. شمل الردّ الأميركي، في طبيعة الحال، أهدافا أخرى لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالميليشيات المذهبيّة التابعة لإيران والعاملة في سوريا والعراق.

 

كشف الهجوم على قاعدة أميركية على الحدود الأردنيّة – السوريّة غياب الإستراتيجيّة الأميركيّة في شأن كلّ ما له علاقة بحرب غزّة وممارسات إيران التي تحاول إستخدام هذه الحرب عبر أدواتها الإقليميّة، بما في ذلك جماعة الحوثيين في اليمن. تلجأ «الجمهوريّة الإيرانيّة» إلى الدهاء، الذي تمتلكه بكمّيات كبيرة، والذي ساعدها في معظم الأوقات في التفوّق على الولايات المتحدة وذلك منذ قيام النظام الإيراني في العام 1979. توجد خبرة إيرانيّة متراكمة في كيفية التعاطي مع مختلف الإدارات الأميركيّة، خصوصا في مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسيّة في الولايات المتحدة وحتّى في مراحل أخرى.

 

نجحت إيران في معظم التجارب التي مرّت فيها مع الولايات المتحدة، خصوصا منذ تفجير مقرّ المارينز قرب مطار بيروت في 23 تشرين الأوّل – أكتوبر 1983. وقتذاك، قتل 241 عسكريا أميركيّا نتيجة عملية إنتحاريّة استهدفت قاعدة لمشاة البحريّة الأميركية الذين كان عددهم 1800  وكانوا جزءا من قوة متعدّدة الجنسية تعمل في لبنان في إطار مهمّة تستهدف دعم حكومته في ضوء الإجتياح الإسرائيلي للبلد في 1982.

 

ردت إدارة الرئيس دونالد ريغان، وقتذاك، على أبشع هجوم تعرّض له الجيش الأميركي منذ حرب فيتنام ردّا سريعا. لم تردّ على إيران، على الرغم من كل ما تمتلكه من أدلّة على مدى تورّطها في الهجوم على مقر المارينز. ردّت في غرينادا وهو بلد صغير يقع في منطقة الكاريبي غير بعيد كثيرا عن فنزويلا. يوم 25  تشرين الأوّل – أكتوبر 1983، اجتاحت قوات أميركيّة غرينادا بحجة استيلاء ماركسيين على الحكم فيها. فجأة تحوّلت الأنظار في واشنطن وعواصم القرار إلى الكاريبي بعيدا عن لبنان والشرق الأوسط والإنسحاب العسكري الأميركي من هذا البلد بضغط إيراني.

 

في ظلّ وجود مصلحة إسرائيلية في استمرار حرب غزّة وفي ظلّ رغبة إيرانيّة في استغلال حرب غزّة إلى أبعد حدود، تبدو إدارة بايدن في وضع لا تحسد عليه. لا تستطيع إجبار إسرائيل على وقف المجزرة التي ترتكبها في حق المواطنين  الفلسطينيين الذين يواجهون خطر التهجير من القطاع… ولا تبدو هذه الإدارة مستعدة في الوقت ذاته لأي مواجهة مباشرة من أي نوع مع «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران.

 

تدفع الإدارة الأميركيّة في نهاية المطاف ثمن تردّدها، إسرائيليا وإيرانيا. تدفع ثمن كل الرسائل التي بعثت بها منذ دخول جو بايدن البيت الأبيض وإخراجه الحوثيين من قائمة الإرهاب… والإنسحاب العشوائي من أفغانستان!