IMLebanon

عشية فتح «صناديق الاقتراع» أي أفق للمواجهة بين بايدن ونتنياهو؟

 

 

ليس من السهل إقناع أحد بحجم الخلاف الذي يتعزز يومياً بين الرئيس الاميركي جو بايدن ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، نتيجة المواجهات المفتوحة بينهما. وإن كان اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أدّى الى بلوغه الذروة، فإنّ البرامج الاسرائيلية الغامضة لشكل وحجم الضربة على إيران زادت من حدّتها الى مرحلة انّ بايدن تردّد ليومين قبل أن يردّ على اتصال نتنياهو، بعد تعطيله زيارة وزير دفاعه يوآف غالانت إلى واشنطن. وعليه، ما الذي يقود الى هذه المعادلة؟

تعترف مراجع سياسية وديبلوماسية بأنّها ليست المرّة الأولى التي يتفاقم فيها الخلاف الشخصي بين الرئيس الاميركي جو بايدن ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، بمعزل عن النتائج التي انتهت إليها. فالحرب التي دخلت عامها الثاني في قطاع غزة وجنوب لبنان عقب حربي «طوفان الأقصى» و»الإلهاء والإسناد» شهدت على مواجهات كلامية عبّر فيها الرجلان عن رأيهما الصريح في شخصية كل منهما. ولا تُنسى المراحل التي تبادلا فيها الأوصاف القاسية والبذيئة، التي دلّت إلى حجم ما يكنان لبعضهما من بغض له تاريخه لسنوات خلت، تمتد الى مرحلة وجود بايدن في البيت الأبيض عندما كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما. وقد بلغت ذروتها في الفترة التي رافقت الإعلان عن الاتفاق النووي مع إيران بعد مفاوضات ماراثونية دامت 18 شهراً قبل توقيعه مع اوباما وممثلي مجموعة الـ «5+1» في العام 2015. ولم يعبّر نتنياهو عن سعادته الّا عندما اعلن الرئيس دونالد ترامب انسحابه من هذا الاتفاق في 8 ايار عام 2018 رسمياً، وهو ما ادّى الى تجميد العمل بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي كانت تتحكم بالاسلحة الصاروخية ونسبة إنتاج اليورانيوم المخصب.

 

ومن دون العودة الى تلك المحطات، فقد تعدّدت الظروف التي تكرّرت فيها المواجهات بين بايدن ونتنياهو، وخصوصاً في المراحل التي ارتكب فيها الجيش الاسرائيلي مجموعة من المجازر التي تخطّت ما حاولت واشنطن تجنّبه. فلم ينس بايدن أولى المجازر التي ارتُكبت في «المستشفى المعمداني» وتحديداً في 19 تشرين الأول الماضي عشية «القمة الرباعية» التي عُدّت أولى القمم المخصصة للبحث في الازمة بعد اقل من اسبوعين على اندلاعها، والتي كان من المقرّر ان تُعقد في العاصمة الاردنية عمان، والتي كان سيشارك فيها بايدن مع كل من العاهل الأردني الملك عبدالله وبدعوة منه وحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قبل أن تتوالى المناسبات التي تبادل فيها الرجلان الاتصالات الهاتفية «الساخنة»، ولا سيما منها التي أُجريت لمعالجة الإجراءات الاميركية التي اتُخذت بتجميد تسليمها انواعاً عدة من الاسلحة التدميرية ومنها الصواريخ الاميركية الثقيلة الخارقة للحواجز الاسمنتية والتي تزن ما فوق الـ 900 كلغ، وصولاً الى 1200 رطل، والتي انتهت بفوز نتنياهو بها بقرارات تجاوزت إرادة بايدن وإدارته.

 

وبناءً على ما تقدّم، فقد توالت السيناريوهات التي تحاكي خلافاً اميركياً ـ اسرائيلياً على خلفية ما نُسب إلى نتنياهو من خطوات يسعى من خلالها إلى اعادة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب إلى البيت الابيض في المواجهة المفتوحة مع مرشحة الحزب الديموقراطي كامالا هاريس، بعدما دخلت الولايات المتحدة مدار السباق بينهما. فقد كان واضحاً لدى المراجع الديبلوماسية والعسكرية أنّ نتنياهو يرغب باستدراج الجيوش الأميركية في الخليج والشرق الاوسط الى مسلسل حروبه في غزة ولبنان والمنطقة وصولاً الى ضمّ المسرح الإيراني الى ساحاتها مباشرة. ذلك أنّ منطق الأمور يقول انّه بمجرد نقل اي جثمان لأي جندي اميركي منها الى وطنه يسهل انتقال عشرات آلاف الأصوات من هاريس الى ترامب، وهو ما تحذّره الإدارة الحالية طمعاً بتمديد إقامة الديموقراطيين في البيت الابيض.

 

ومن هذه المنطلقات، تتطلّع المراجع الى ما تسبّبت به السياسات الاسرائيلية من توتر مع الادارة الاميركية، فلم يكتف نتنياهو بإسقاط خطة بايدن لوقف النار وتبادل الاسرى في غزة بمن فيهم ما تبقّى من حاملي الجنسيتين الأميركية والاسرائيلية التي تبنّاها مجلس الأمن الدولي في 10 حزيران الماضي، كما فكّ أسر إدارته عن الصواريخ الثقيلة التي بدأ يستخدمها في لبنان بعد غزة، بعدما تعرّضت إسرائيل لصاروخ باليستي من اليمن ولبنان والتهديد بتدمير القواعد العسكرية ومطاراتها، قبل أن يتجاهل المشروع الاميركي ـ الفرنسي الاخير الخاص بوقف النار في لبنان وتطبيق القرار 1701، ضارباً بعرض الحائط الجهود الدولية التي وفّرت الدعم له.

 

وإن لم يكتف نتنياهو بذلك، فقد اغتال ابّان وجوده في نيويورك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بلا موافقة اميركية مسبقة، وذهب بعيداً في مشاريع الردّ على الضربة الايرانية الاخيرة رداً على ثلاثية الاغتيالات في طهران ولبنان، وسط تجاذبات واضحة وقاسية أدّت الى تجميد بايدن لأي مشروع اتصال مع نتنياهو، بعدما منع وزير دفاعه يوآف غالانت من زيارة واشنطن أول أمس للتشاور مع نظيره الأميركي في ما هو مقترح من خطط للحؤول دون ما يمسّ المنشآت النووية في إيران منعاً للحرب الشاملة، لأنّ اسرائيل عاجزة عن القيام بها منفردة ولا تريد واشنطن مساعدتها لأنها تعارضها من اساسها. مضافة الى شروط اخرى ابرزها اجراء اتصال هاتفي بينهما الى ان حصل امس وانتهى بأن نال نتنياهو تهنئة اميركية خاصة لقاء اغتيال نصرالله.

 

على هذه الخلفيات، ولما توسعت الهوة بين بايدن ونتنياهو تعددت الملفات العالقة بينهما في وقت قياسي بات فاصلًا عن فتح صناديق الانتخابات الرئاسية الاميركية من دون تجاهل التصويت الالكتروني عبر الرسائل الالكترونية الذي انطلق منذ أيام قليلة والذي وفّر في الدورة الاخيرة 35 مليون صوت لبايدن سجّلت الفارق في فوزه على ترامب عام 2020.

 

وختاماً، لا بدّ من الإشارة الى انّ فقدان التواصل بين تل أبيب وواشنطن في الأيام القليلة المقبلة يسنح للاولى بالتفرّد بردّها على إيران. وربما إن تأجّل قد تتفرّغ لمزيد من الضربات الموجعة في لبنان فالوسطاء الأميركيون غابوا عن السمع في غزة ولبنان. وكما جمّد العمل بورقة 2 تموز التي سلّمها بايدن لحركة «حماس» جمّدت بنود المبادرة الفرنسية – الاميركية الخاصة بلبنان الى أجل، بانتظار ما يفصل الوضع في جنوب لبنان وغزة، وانتخاب الرئيس لإنقاذ المقاومة ولبنان من الورطة التي اقتيد اليها بأقل الخسائر المحققة حتى اليوم.