يبقى الوضعين الإقليمي والدولي من المنطلقات الأساسية لمعرفة اتجاه البوصلة اللبنانية، وبأي طريق ستسلك في هذه المرحلة، لا سيما في خضم الأزمات الكثيرة التي تعصف بالبلد، وخصوصاً على المسارين الإقتصادي والمعيشي، إذ، وبعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى “إسرائيل” والسعودية، فإن الأنظار شاخصة إلى ما ستسفر عنه زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المنطقة، والتي أتت مباشرة بعد جولة بايدن، الأمر الذي أثار موجة من المخاوف والتساؤلات حول ما يحصل، على اعتبار أن الوضع اللبناني، وكما كان حاضراً خلال جولة الرئيس الأميركي، فقد حضر أيضاً خلال زيارة الرئيس الروسي إلى إيران، على الرغم من أن موسكو منشغلة بالحرب مع أوكرانيا، وهمومها وشؤونها تتخطى التفاصيل التي تحيط ببعض الدول في المنطقة، ومنها لبنان، إلا أن خصوصية زيارة إيران، التي لها أكثر من صلة بالوضع الداخلي اللبناني، فإنها قد تكون عرضت بشكل عام لكل أوضاع المنطقة من فلسطين والعراق وسوريا وحتى لبنان.
وفي هذا الإطار، فإن أوساطاً روسية متابعة في بيروت، تشير إلى أن موقف المسؤولين الروس من الملف اللبناني لم يتغيّر، كاشفة أن موسكو لا تتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية إن في الإنتخابات النيابية الأخيرة، أو في الإستحقاق الرئاسي المقبل، لكنها تشدّد على ضرورة الحفاظ على أمن لبنان واستقراره في أكثر من أي وقت مضى، نظراً لخطورة المرحلة في خضم الوضع الإقتصادي الصعب الذي يمرّ به لبنان، وصولاً إلى وجود عوامل أخرى، وفي مقدّمها الأعداد الكبيرة من النازحين السوريين، والقلق الذي يتمثّل بفعل الترابط الجغرافي بين لبنان وسوريا، وما يمكن أن يسبّبه الوضع الإجتماعي من ارتدادات سلبية على البلدين، وتلفت إلى أن زيارة الرئيس بوتين إلى المنطقة، استراتيجية ومحصورة بالحرب الروسية ـ الأوكرانية، ومن ثم عرض واقع ما يحصل في الشرق الأوسط من مختلف جوانبه، وبالتالي، أن لبنان جزء من استقرار هذه المنطقة، وهذا ما يهمّ روسيا في هذه الحقبة، عبر حضّ الأطراف اللبنانية والإقليمية على ضرورة عدم إقحام لبنان في أي نزاعات وصراعات.
وتضيف هذه الأوساط، لافتة إلى أن الرئيس الروسي، لم يبحث موضوع الإنتخابات الرئاسية في لبنان مع المسؤولين الإيرانيين، ولكن الخارجية في موسكو، ومن خلال نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، تواكب عن كثب المسألة اللبنانية من جوانبها كافة، وهي على بيّنة من كل التفاصيل، ولكن ما يتعلّق بالإنتخابات الرئاسية، فهي موضوع لبناني صرف، مع ضرورة التقيّد بالمهلة الدستورية وضرورة انتخاب رئيس جديد للبنان، وفي غضون ذلك، فإن السفير الروسي في بيروت يتابع كل هذه القضايا، مع الحرص الروسي على عدم الوقوف إلى جانب أي جهة سياسية داخلية أياً كانت، وبمعنى أوضح ليس لدى روسيا أي مرشح رئاسي، أو تدعم أي شخصية للرئاسة الأولى لأنها على مسافة واحدة من كافة المكوّنات اللبنانية، وتلتقي وسفيرها في بيروت بالجميع.
وأخيراً، وحيال ما يحصل دولياً وإقليمياً من تحوّلات وجولات ونزاعات، فإن لبنان يبقى دائماً الأكثر تأثّراً، وحيث تنعكس مجمل هذه الأحداث على ساحته الداخلية، وبناء عليه، هناك انتظار لما ستؤول إليه هذه الجولات ليبنى على الشيء مقتضاه لاحقاً على صعيد الملفات السياسية والإقتصادية، وصولاً إلى الوضعين الحكومي والإستحقاق الرئاسي الذي يبقى الأبرز والأهم، بحيث يحظى باهتمام داخلي وخارجي باعتباره سيؤسّس لمرحلة جديدة، إنما، وفي سياق هذه الضبابية الداخلية والخارجية، فإن الأمور تبقى مرهونة بأوقاتها على غير صعيد.