ليس الانتظار القلق لنهاية الدراما الانتخابية الأميركية سوى إشارة الى أن العالم لا يصدق قصة الانحدار في مكانة اميركا ودورها الكوني. لكن المنتظرين، باستثناء قلة، لا يتوقفون عن اتخاذ القرارات الضرورية ولا عن القيام بالمسؤوليات تجاه بلدانهم. وأكثر من يراهن على فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن هو الذي يقول انه لا ينتظر ولا يراهن. وفي الطليعة ايران، إذ يقول المرشد الأعلى علي خامنئي ان ” تغيّر الوجوه لا يؤثر بتاتاً على سياستنا”. وأكثر من يتوقف عن العمل الضروري هو لبنان الذي أخذه “حزب الله” الى “محور الممانعة”.
والواقع ان لبنان ليس بحاجة الى الانتظار. فلا شيء غامضاً في السياسة الاميركية تجاه البلد وتجاه “حزب الله” الموضوع في خانة “المنظمات الارهابية”: من المساعدات العسكرية للجيش الى المساعدات الانسانية، مروراً بالوساطة في التفاوض على ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، وصولاً الى مدى “استقلالية” الحكومة وقدرتها على الاصلاح والتفاوض مع صندوق النقد الدولي. ولا لبنان كان غائباً عن حملة بايدن التي ورد في برنامجها الرئاسي “العمل مع المجتمع المدني والمواطنين لمساعدتهم على تطوير مستقبل سياسي واقتصادي والعمل على تحقيقه”. ولا ما أعلنه بايدن كان أقل من التزامه “الحرص على ان يكون مستقبل لبنان شاملاً لكل ابنائه ونظيفاً من الفساد، وعلى دعم الجيش الذي هو الدعامة الأساسية لإستقرار البلاد”.
وإذا كنا جادين في وقف الانهيار، فلا أولوية تتقدم على تأليف الحكومة، لا أي حكومة بالطبع، بل حكومة لـ”مهمة” استثنائية قادرة على اتخاذ القرارات الإنقاذية والحصول على المساعدات الخارجية ويتم تأليفها بصورة استثنائية. وبكلام آخر، لا حكومة محاصصة بين القوى التي أخذتنا الى الهاوية وقادت لبنان الى عزلة عربية ودولية. لكن التركيبة الحاكمة والمتحكمة تتصرف كأن تأليف الحكومة ليس أولوية، أو أقله يجب أن يبقى ورقة في اليد الى ما بعد الانتخابات الاميركية. والقاعدة هي: إما حكومة محاصصة تكمل انهيار البلد وتغطي السرقات، واما لا حكومة.
وهذا جزء من الرهان على سياسة بايدن في الشرق الاوسط. غير ان بايدن كشف سياسته الخارجية في مقال نشرته “فورين أفيرز” تحت عنوان: “أميركا يجب ان تقود ثانية”. فما ركّز عليه هو: “اعادة أكثرية قواتنا من افغانستان والشرق الاوسط، وتحديد مهمتنا بهزيمة القاعدة وداعش. والفرق كبير بين نشر عشرات آلاف الجنود وبين نشر مئات من القوات الخاصة لدعم شركائنا المحليين ضد عدو مشترك”. شيء مثل ترامب، ولكن من رئيس هو ابن “المؤسسة” ويدرك المصالح الحيوية الاميركية.